الشفاعة
ومنها الشفاعة ، قال ابن بابويه رحمهالله : إنّها لمن ارتضى الله دينه من أهل الكبائر والصّغائر ، فأمّا التائبون من الذّنوب فغير محتاجين إلى الشّفاعة ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي. وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا شفيع أنجح من التّوبة.
والشّفاعة للأنبياء والأوصياء والمؤمنين والملائكة ، وفي المؤمنين من يشفع في مثل ربيعة ومضر ، وأقلّ المؤمنين شفاعة من يشفع لثلاثين إنسانا. والشّفاعة لا تكون لأهل الشّرك ، ولا لأهل الكفر والجحود ، بل يكون للمذنبين من أهل التوحيد (١) ، انتهى.
وبالجملة ، ثبوت أصل الشفاعة مع كونه ممّا دلّ عليه الشّرع الشّريف ، لقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٢) ، حيث فسّر بالشفاعة. ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» (٣) إجماعيّ بين المسلمين لا خلاف فيه لأحد ، فيجب الإيمان به. وأمّا السّمعيات الدالّة على نفي الشفاعة ، كقوله تعالى : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٤) وقوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (٥) وغير ذلك ، فهي متأوّلة بالكفّار.
وهل الشفاعة لزيادة المنافع أو لإسقاط المضارّ؟
فيه خلاف بين المتكلّمين ، والحقّ عند المحقّقين ثبوتها فيهما جميعا ، إذ يقال : شفع فلان لفلان ، إذا طلب له زيادة منافع أو إسقاط مضارّ.
وعلى التّقديرين ، فيبطل الشفاعة منّا في حقّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أمّا على التقدير الثاني فظاهر ، إذ لا مضارّ له صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى يمكن إسقاطها ، وأمّا على الثاني ، فلأنّ طلب زيادة المنافع في حقّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كان يتصوّر ، إلّا أنّ الشفيع ينبغي أن يكون أعلى مرتبة من المشفوع ، وهنا ليس كذلك.
__________________
(١) الاعتقادات / ٨٥ و ٨٦.
(٢) الإسراء (١٧) : ٧٩.
(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥٧٤ ، وفي لفظه : إنّما شفاعتي.
(٤) البقرة (٢) : ٢٧٠.
(٥) المدّثر (٧٤) : ٤٨.