فيقول : إنّ ربّكم يأمركم أن تثبوا فيها ، فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن عصى سيق إلى النّار (١) ، انتهى.
وأقول : وأنت بعد تدبّرك فيما نقلنا من الآيات والأخبار يظهر لك بيان أصناف الناس وبيان أحوالهم في القيامة.
أمّا بيان الأحوال فظاهر ، حيث إنّ تلك الآيات والأخبار المنقولة على حالة كلّ صنف من تلك الأصناف المذكورة ، وإنّ مآلهم ومرجعهم يوم القيمة إلى ما ذا؟ وإن كانت حالاتهم ولا سيّما حالات أهل الوعد والوعيد ، من أهل الجنّة والنّار ودرجاتهم ودركاتهم مختلفة ومتفاوتة بحسب تفاوت مراتبهم ، كما دلّ عليه آيات وأخبار غير ما نقلنا.
وأمّا بيان الأصناف ، فلأنّ ما نقلنا من حديثي حمزة بن الطيّار يدلّ على أنّ جميع الناس على ستّة أصناف : صنفان منها أهل الوعد والوعيد من أهل الجنّة والنار ، والأصناف الأربعة الباقية هم الباقية من الناس كما فصّله عليهالسلام في ذينك الحديثين. والحديث الثاني منهما يدلّ على أنّ تلك الأصناف الستّة بأجمعهم تؤول باعتبار إلى ثلاثة أصناف : أهل الإيمان وأهل الكفر ، اللذين هما من أصحاب الجنّة والنار ، وأهل الضلال الذين ينقسمون إلى تلك الأصناف الأربعة الباقية. وكأنّ مبناه ـ والله أعلم ـ على أنّ بين الإيمان والكفر منزلة ومرتبة كما هو رأي بعض المتكلّمين. ودلّ عليه حديثا زرارة وحديث عمر بن أبان.
وتلك المرتبة المتوسّطة تسمّى بالضلال ، حيث إنّ أهل هذه المرتبة لا يستطيعون حيلة إلى الكفر ولا يهتدون سبيلا إلى الإيمان ، فليسوا بالمؤمنين ولا بالكافرين ، بل هم من أهل الضّلال ، إذ لم يهتدوا سبيلا إلى الإيمان ، وعدم الاهتداء إليه ضلال. وهذا كأنّه مبنيّ على أنّ معنى الإيمان هو التّصديق بالقلب ، والإقرار باللّسان جميعا كما عرّفه به بعض المحقّقين ، وقال : إنّه لا يكفي التصديق بالقلب وحده لقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (٢) حيث سمّاهم الله تعالى جاحدين أي كافرين ، مع إثبات التّصديق القلبيّ لهم. وكذا لا يكفي الإقرار باللّسان وحده ، لقوله تعالى (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٤٩٢.
(٢) النمل (٢٧) : ١٤.