تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (١) ولقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٢) حيث إنّه تعالى في هاتين الآيتين أثبت لهم الإقرار باللّسان ، ونفى عنهم الإيمان ، فإنّه على هذا التقدير ـ أي أن يكون معنى الإيمان هو مجموع التصديق بالقلب والإقرار باللّسان ـ يظهر كون أهل تلك المنزلة غير مؤمنين ، وكذا هو مبنيّ على أن يكون معنى الكفر المقابل للإيمان أمرا وجوديّا مضادّا للإيمان هو التكذيب.
فإنّه على هذا التقدير يظهر كون أهل تلك المنزلة غير كفّار أيضا. لا أن يكون معناه أمرا عدميّا هو عدم الإيمان عمّا من شأنه ذلك كما عرّفه به بعض المتكلّمين ، فإنّه على هذا التّقدير يصدق على كثير من الأصناف الأربعة الذين هم أهل تلك المنزلة اسم الكافر ، والحال أنّه نفي عنهم في تلك الأحاديث المذكورة اسم الكافر.
وبالجملة ، فهذه الأصناف الثلاثة التي تؤول إليها تلك الأصناف الستّة كما ذكر في ذلك الحديث ، ليست هي تلك الأصناف الثلاثة المذكورة في تلك الآيات الثلاثة المتقدّمة ، بل المذكور في تلك الآيات إنّما هو بيان صنفين من تلك الأصناف الستّة أو الثلاثة ، وذانك الصنفان إنّما هما أهل الوعد والوعيد من أهل الجنّة والنّار. وقد قسّما إلى الأزواج الثلاثة والأصناف الثلاثة أيضا ، أي أنّه قسّم صنف المؤمنين إلى صنفين ، أمّا في الآية الأولى فقد قسّما إلى السابقين وأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة.
وأمّا في الآية الثانية فإلى المقرّبين وأصحاب اليمين والمكذّبين الضالّين ، وأمّا في الآية الثالثة فإلى السابق بالخيرات والظالم لنفسه ، والمقتصد ، بناء على أن يكون الضمير في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) راجعا إلى قوله : (عِبادِنا) ، أو إلى قوله : (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا) ، وأريد بهم مطلق أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وأمّا الحديث المرويّ عن الصادق عليهالسلام في تفسير الآية ، فهو إن كان مبناه على إرجاع الضمير إلى أحد المذكورين ، لكن مع بيان معنى تلك الأصناف الثلاثة من جملة ذريّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته ، فهذا يرجع إلى السابق أيضا ، حيث إنّ فيه أيضا تقسيما لمطلق
__________________
(١) الحجرات (٤٩) : ١٤.
(٢) البقرة (٢) : ٨.