العقاب دوام عقاب الكفّار ، فمسلّم ، وإلّا فممنوع» (١) انتهى كلامه.
في ذكر وجوه من التوهّم على عدم إمكان الخلود
ولسنا نحن في هذا المقام بصدد تحقيق هذا الخلاف ، بل بصدد تحقيق أنّ الخلود في شأن من حكم بخلوده في الجنّة أو في النّار ، هل هو ممكن أم لا؟ وعلى تقدير الإمكان فالسّبب الموجب له ما هو؟ والحكمة والمصلحة فيه ما هي؟ إذ قد يتوهّم أنّ الخلود أمر غير ممكن بالذّات ، لأنّه يستدعي زمانا غير متناه ، ووجود الزمان الغير المتناهي غير ممكن ، حيث إنّ البرهان الذي يبطل وجود غير المتناهي مطلقا ـ كبرهان التطبيق ـ يبطل وجود الزمان الغير المتناهي أيضا.
وبيان ذلك أنّه قد تقرّر في محلّه أنّ الحكماء وإن قالوا بأنّ برهان التطبيق إنّما يجري في امتناع لا تناهي الأمور الموجودة معا المترتبة في الوجود لامكان التطبيق فيها ، ولا يجري في غير ذلك ، فلذا قالوا بجواز لا تناهي الأمور التي توجد معا لكن لا ترتيب بينها كالنفوس الناطقة ، وكذا بجواز لا تناهي الأمور المتعاقبة المترتّبة في الوجود الغير المجتمعة في الوجود كالحركات الفلكيّة والأزمنة المنتزعة منها ، بناء على عدم إمكان جريان برهان التطبيق في هذين القسمين بزعمهم ، ولذا قالوا بلا تناهي النفوس الناطقة ، وكذا بقدم العالم زمانا. إلّا أنّ المتكلّمين مجمعون على استحالة لا تناهي الأمور المجتمعة في الوجود المترتّبة فيه ، وكذا على استحالة لا تناهي القسمين أيضا ، بناء على إمكان التطبيق فيهما أيضا ولو على سبيل الإجمال والوجه العقليّ الكلّيّ. فلذا قالوا بامتناع القدم الزمانيّ.
فعلى مذهبهم ـ وهو الحقّ كما تقرّر في ـ موضعه فكما يبطل وجود الزمان الغير المتناهي في جانب الأزل ، كذلك يبطل وجوده في جانب الأبد ، فمن أين يمكن الخلود الموقوف على وجود الزمان الغير المتناهي في طرف الأبد؟
__________________
(١) شرح التجريد للقوشجيّ / ٤٢٠ ـ ٤٢١.