المطلب الثاني
في امتناع ما قيل من تناسخ النفوس ونحو ذلك من الأقوال
اعلم أنّ صدر الأفاضل بعد أن نقل عن الحكماء أنّهم اتّفقوا على أنّ النفوس التي صارت عقولها الهيولانيّة عقلا بالفعل ، فلا شبهة في بقائها بعد البدن ، وأنّهم اختلفوا في النفوس التي لم تخرج من القوّة إلى الفعل ، فذهب بعضهم إلى أنّها تهلك بهلاك البدن ، وبعضهم إلى أنّها تبقى بعد فنائه. قال :
«إنّ بناء هذا الاختلاف على انحصار نشئات الإنسان في النشآت الحسّيّة والنشأة العقليّة. وجمهور الحكماء لمّا لم يتفطّنوا بنشأة أخرويّة غير النشأة العقليّة ، اضطرّوا إلى هذه الأقوال :
فتارة قالوا بعدم بعض النفوس واضمحلالها ،
وتارة بتناسخ الأرواح السافلة والمتوسّطة ، أمّا السافلة فإلى الأكوان العنصريّة من إنسان آخر أو حيوان آخر أو نبات أو جماد ، وذلك هو المسخ والنسخ والفسخ والرسخ. وأمّا المتوسّطة فإلى عالم الأفلاك.
وتارة بصيرورة بعض الأجرام العالية موضوعا لتخيّلات نفوس الصلحاء والزهّاد ، من غير أن تصير متصرّفة فيه ، وبعض الأجرام الدخانيّة للنفوس الشقيّة» (١) انتهى موضع الحاجة من كلامه.
ثمّ قال بعد ذلك : الإشراق التاسع في أنّ النفوس لا تتناسخ.
__________________
(١) الشواهد الربوبيّة / ٢٢٥ ، وفيه : إنّ بناء هذا الكلام ونظائره على انحصار نشئات.