ما اكتسبوه من العقائد والهيئات ورسخت في نفوسهم باقية ببقائها.
وأمّا لو قلنا بورود العذاب عليهم من خارج ، كما هو على القول الآخر ، فكذلك أيضا ، لأنّ السبب إذا كان دائما ولم يكن مسبّبه كذلك لخرج السبب عن السببيّة ، وهو خلاف مقتضى الحكمة المتعالية.
وأيضا ، لا يخفى أنّ الله تعالى بعنايته الأزليّة وحكمته الكاملة التّامّة وبقضائه الأزليّ قدّر تكليفا فأمر العباد بالطاعة ونهاهم عن المعصية ، لكونها لطفا واجبا ، وكذا وعد بالثواب على الطاعة وأوعد بالعقاب على المعصية ، لكونهما أيضا لطفا واجبا لأنّ فيهما ترغيبا للعباد في الطاعة وتزهيدا لهم عن المعصية.
وكما أنّ الوفاء بالوعد لطف واجب والإخلال به قبيح ، كذلك الوفاء بالوعيد حسن ، إذ هو حقّه تعالى بالنسبة إلى العاصين ، وفيه إظهار عدله تعالى ، وخلاف مقتضى العدل خلاف مقتضى الحكمة المتعالية.
نعم ، إنّه حيث كان حقّه تعالى على العاصين ، جاز إسقاطه والعفو عنه ، لكن بالنسبة إلى من كان مستحقا للعفو والتفضّل ، كالمؤمنين الذين يستحقّون بإيمانهم إسقاط العقاب عنهم والتفضّل عليهم ، ويستوجبون لذلك بالتوبة أو الشفاعة أو نحو ذلك ، لكون العفو حسنا حينئذ.
وأمّا بالنسبة إلى من لا يستحق ذلك ولم يستوجبه ، فالعفو منه وإسقاطه ليس بحسن بل هو خلاف مقتضى العدل ، إذ لو عفا الله تعالى عن الكافرين الذين هم غير مستوجبين للعفو والتفضّل ، وأسقط العقاب عنهم ، إمّا بعدم إدخالهم في النّار أصلا ، أو بإدخالهم فيها مدّة ، ثمّ إخراجهم منها بعد ذلك وإدخالهم في الجنّة ، لجاز أن يتمنّوا في الآخرة ويقولوا : يا ليتنا كنّا في الدنيا نزيد في المعصية وفي العتوّ والفساد والطغيان والعناد ، إذ كان فيه مع قضاء وطرنا في اللذّات والشهوات التي في المعاصي حصول ثواب في الآخرة ، ولجاز أن يتمنّى المؤمنون أيضا ويقولوا : يا ليتنا كنّا كافرين في الدّنيا ، إذ كان جزاؤهم هذا الجزاء الذي للكافرين ، فلم كنّا نتعب أنفسنا بترك الشهوات واللذّات التي في المعاصي؟!
وأيضا يمكن أن يكون الحكمة في خلود الكفّار في النار وفي عدم انقطاع عذابهم