أمرا واردا من خارج ، فهو وإن كان قسرا ، إلّا أنّا لا نسلّم تلك الكلّيّة ، بل القسر يمكن أن يدوم إذا كان سببه دائما كما في ما نحن فيه.
نعم ، إذا كان سببه منقطعا يكون هو أيضا منقطعا ، وليس الحال هنا كذلك.
وأمّا ما ذكر من أنّ الرحمة الإلهيّة وسعت كلّ شيء فهو كذلك ، حيث إنّ كلّ موجود من الموجودات ، ناطقها وصامتها ومكلّفها وغير مكلّفها تعمّها نعمة الإيجاد ، وما يتبعها من إعطاء كلّ شيء خلقه وما يحتاج هو إليه ويليق بحاله وشأنه ، وهذا لا ينافي أن يكون عذابه المخصوص كعذاب الآخرة مخصوصا بجمع كالكفّار ، وأن يكون رحمته المخصوصة كرحمة الآخرة مخصوصة بجمع كالمؤمنين ، كما قال تعالى : (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) (١).
وأمّا ما ذكر ، من أنّ الباري جلّ شأنه كما أنّه لا ينفعه الطاعة ولا يضرّه المعصية ، كذلك لا يضرّه الثّواب ولا ينفعه العقاب ، فهو أيضا كذلك ، إلّا أنّ العقاب والعذاب ، وخلودهما هو مقتضى الحكمة المتعالية ، كما عرفت.
وأمّا ما ذكر من : «أنّ العقاب الدّائميّ لا منفعة فيه لأحد ولا خير ، بل هو شرّ محض ، ويمتنع صدوره عن الخير بالذات». فهو ممنوع.
لأنّا لا نسلّم كونه شرّا بل هو خير ، حتّى بالنسبة إلى المعذّبين أيضا.
كما قيل (٢) : إنّه جعل الله تعالى النار وقاية لما هو أعظم منها وأشدّ في حق المبتلى به وهو غضب الله تعالى ، وأنّه كما أنّ النار في النّشأة الدنيويّة تتّخذ وقاية لبعض الأمراض الذي لا ينفى إلّا بالكيّ ، كذلك قد تتّخذ في النّشأة الأخرويّة وقاية لغضب الله تعالى الذي يترتّب على الكفر والشرك وأمثالهما.
وبالجملة ، فيمكن أن يكون العذاب الأخرويّ صلاحا لحال العاصين وخيرا لهم أيضا.
__________________
(١) الأعراف (٧) : ١٥٦.
(٢) القائل هو ابن العربيّ في الفتوحات المكّيّة.