وعلى تقدير تسليم كونه شرّا ، فإنّما هو شرّ بالقياس إلى الشّخص المعذّب خاصّة لا مطلقا ، إذ قد عرفت أنّ فيه مصلحة لحال المؤمنين وإكمال نعمتهم وإتمام سرورهم ، فهو خير. وقد تقرّر في الأصول الحكميّة أنّ وقوع الشرّ القليل لأجل الخير الكثير سائغ في الحكمة المتعالية.
فإن قلت : ليس الأمر هنا كذلك ، بل بالعكس ، حيث إنّ المؤمنين قليلون ، والكافرين والمشركين والعاصين أكثرون ، بل لا نسبة لهم إليهم أصلا.
قلت : على تقدير التّسليم ، أنّ المؤمن الواحد يوازي عند الله تعالى مائة ألف كافر بل أكثر ، فالمؤمنون وإن كانوا أقلّون عددا ، إلّا أنّهم أكثرون قدرا ، الأعظمون منزلة بكثير ، بحيث لا نسبة لهم إليهم في ذلك أصلا.
وعلى هذا ، فيكون وقوع الشرّ بالنسبة إلى ألف ألف كافر ، لأجل وقوع خير بالنسبة إلى مؤمن واحد مثلا شرّا قليلا لأجل خير كثير ، فكيف إذا كان المؤمن أكثر من واحد.
وأمّا ما نقل من قول القائل الأوّل ممّن يدّعي الكشف حيث قال : «إنّ الكفّار وإن كانوا خالدين في النّار ، إلّا أنّ عذابهم ينقطع بعد مدّة وينقلب ثوابا وراحة».
فلا يخفى أنّه خلاف ظاهر الآيات والأخبار النّاطقة بأنّ النّار دار الخزي والهوان والانتقام ، القائمة في ذلك في كلّ أزمنة الكون فيها ، لا اختصاص له بوقت دون وقت ، كما لا اختصاص بقوم من العاصين من الكافرين وأمثالهم دون قوم منهم ، والدّالة على أنّ الكافرين لا يخفّف عنهم العذاب وقتا ما.
كقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (١) ،
(لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (٢) ،
(لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) (٣) ،
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٦٢.
(٢) طه (٢٠) : ٧٤.
(٣) فاطر (٣٥) : ٣٦.