ذكره صدر الأفاضل في نقل المذاهب كما لا يخفى على المتأمّل ، وكيف ما كان ، فتحقيق ذلك ممّا لا يهمّنا ، بل الغرض المهمّ إبطال تلك المذاهب في النفوس مطلقا ؛ فنتكلم فيه ، فنقول :
إشارة إلى بطلان القول بفناء النفس بعد خراب البدن
أمّا القول بفناء النفوس الإنسانيّة وانعدامها بعد خراب أبدانها ، فقد ظهر بطلانه فيما سبق ، حيث أقمنا الحجّة على بقائها بعده ، وأمّا القول بتعلّقها بعد خراب أبدانها بأجسام أخر من غير أن تكون هي أنفسا لها ومبادي صورة لها كما نقله الشيخ عن الفارابيّ ومال إليه ، سواء كانت تلك الأجسام أجراما سماويّة أو جرما دخانيّا ، وسواء قيل به في نفوس السعداء والأشقياء جميعا ، كما هو ظاهر الفارابيّ والشيخ ، وسواء قيل بالتعلّق بجرم سماويّ في السّعداء ، وبجرم دخانيّ في الأشقياء ، أو قيل بالتعلّق بجرم دخانيّ فقط في السعداء والأشقياء جميعا ، أو قيل بالتعلّق بجرم سماويّ فقط فيها جميعا كما يستفاد هذه المذاهب ممّا نقلنا من كلمات صدر الأفاضل ، أو قيل بالتعلّق بجرم سماويّ في السعداء وبجرم إبداعيّ غير منخرق تحت فلك القمر وفوق كرة النار يكون نوعه منحصرا في شخص في الأشقياء كما نقله عن صاحب التلويحات.
وبالجملة ، القول بتعلّق تلك النفوس بتلك الأجسام والأجرام من غير أن تكون هي متصرّفة فيها مدبّرة لها إلّا أنّها تكون موضوعة لتخيّلاتها ، فبيان بطلان تلك الأقوال على الإجمال أنّه من الأصول المقرّرة عند الحكماء أنّ النفس الإنسانيّة وإن كانت في ذاتها غير مفتقرة إلى البدن ، لكنّها في أفعالها محتاجة إليه مستكملة به ، وأنّها لا يجوز أن تكون معطّلة عن الإدراك ، وإنّ إدراكاتها الجزئيّة لا تكون إلّا بآلات جسمانيّة بدنيّة كما اعترف به الفارابيّ نفسه ، حيث قال : وهم بدنيّون لا يعرفون غير البدنيّات.
وحينئذ نقول : إنّها إذا فارقت الأبدان فكيف يختلف حالها وتصير هي ـ على كونها بدنيّة ـ غير بدنيّة وغير مفتقرة إلى بدن يكون إدراكاتها الجزئيّة في ضمنه وبالآلات