البدنيّة ، والحال أنّ النفوس التي الكلام فيها ليست نفوسا كاملة مستكملة حتّى يمكن القول بأنّها حينئذ لا تحتاج إلى البدن ، بل إنّها تشتغل بكمالاتها الذاتية إمّا مبتهجة بلذّاتها العقليّة ، أو متألّمة بآلامها العقليّة. كيف ولو كانت مستكملة كذلك غير مفتقرة إلى البدن ، فكما لا تحتاج إلى البدن كذلك لا تحتاج إلى التعلّق بجرم سماويّ أو غيره يكون ذلك الجرم موضوعا لتخيّلاتها ولا تكون هي متصرّفة فيه متعلّقة به تعلّق النفس بالبدن.
وأيضا نقول كما قال صدر الأفاضل أيضا : إنّ كون كلّ جرم سماويّ أو عنصريّ دخانيّ أو جرم غير منخرق موضوعا لتصرّفات الأنفس وتخيّلاتها لا يستقيم إلّا بأن يكون لها به علاقة طبيعيّة أو لبدنها معه علاقة وضعيّة ، فإنّ المسلوب عن العلاقتين كما فيما نحن فيه ، كيف تستعمله النفس أو تنسب إليه ، فأيّة نسبة حدثت بين النفس التي هي جوهر روحانيّ أوجبت اختصاصه بذلك الجرم وانجذابه من عالمه إليه دون غيره من الأجرام ، بل إلى حيّزه دون سائر الأحياز من نوع ذلك الجرم. وأيضا كون جرم سماويّ موضوعا لتصوّرات تلك النفوس إنّما يتصوّر إذا كان بينهما علاقة طبيعيّة ذاتيّة ، ومن أين يتصوّر العلاقة الطبيعيّة لجوهر نفسانيّ مع جرم تامّ الصورة الكماليّة غير عنصريّ الذات؟ ولا الممكن التصرّف فيه بالتصوير والتمثيل إلّا لصورته الإبداعيّة الحاصلة له بالفيض الأوّليّ ، وأنّه أيّة مادّة جسمانيّة تصير آلة لتخيّل قوّة نفسانيّة ، فلا بدّ وأن تتّحد بها ضربا من الاتّحاد وتستكمل بها نوعا من الاستكمال ، فتخرجها عن حدّ قوة إلى فعل بالانفعالات والحركات المناسبة. والحال أنّ الفلك على رأيهم لا يتحرّك إلّا حركة واحدة متشابهة وضعيّة مطابقة لحركات النفسانيّة الحاصلة من جهة مدبّر نفسانيّ ومعشوق عقليّ يتشبّه به فيها.
ولا يمكن أيضا أن يكون ذلك من قبيل المرايا التي لها نسب وضعيّة إلى ما يتصرّف فيها النفوس بالطبع كما تتخيّل صورة في المرآة التي لها نسبة وضعيّة إلى عينك التي هي بالحقيقة مرآة نفسك التي تتصرف فيها ، إذ ليس الجرم الفلكيّ وما يجري مجراه بالقياس إلى نفسك المدبّرة كإحدى هاتين المرآتين ؛ كيف والسماويّات عندهم ليست مطيعة إلّا لمباديها الأولى ، وهي ملائكة السماء المحرّكة لها بأمر الله تعالى. ولا قابلة للتأثيرات