وتستسعد بالسعادة المعدّة لهم ، وأنّى للنفوس البله ذلك؟! كيف وهو نفسه قد اعترف فيما سننقله من كلامه في «الشفاء» بأنّ أوائل الملكة العلميّة التي بها يمكن اكتساب المجهول من المعلوم والاستكمال بالفعل لا شكّ أنّها تكتسب بالبدن لا غير ، وقد فرض أنّها فارقت الأبدان. فتدبّر.
وبالجملة ، فهذه المذاهب المنقولة ممّا ليس عليها دليل عقليّ ولا نقليّ أخبر به مخبر صادق من أهل العصمة سلام الله تعالى عليهم أجمعين ، بل كلّها تخمين وجزاف ينبغي أن يتجنّبها من يتجنّب الاعتساف ويبتغي الإنصاف ، وليس المخلص في هذه الأحكام إلّا بالتشبّث بأذيال المخبرين الصادقين المؤيّدين من عند الله تعالى. وكأنّ فيما ذكره المحقّق الطوسيّ رحمهالله بعد نقل مذهب الفارابيّ في ذلك بقوله : «ولي في أكثر هذه المواضع نظر» إشارة إلى ما ذكرنا من الأنظار ونظائرها. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
في معاني التناسخ
وحيث عرفت ذلك وبقي إبطال القول بالتناسخ ونحوه ، فلنتكلّم في ذلك.
فنقول أوّلا : إنّ التناسخ كما ذكره صدر الأفاضل ونقلنا كلامه يتصوّر على معاني ووجوه :
والمعنى الأوّل الذي ذكره وقال باستحالته ، هو محلّ النزاع هنا ، ونحن بصدد إبطاله كما سيأتي بيانه ، وهو انتقال نفس في هذه النشأة الدنيويّة من بدن إلى آخر عنصريّ مباين للأوّل منفصل عنه ، بأن تصير تلك النفس نفسا لذلك البدن الثاني مدبّرة له متصرّفة فيه كما للبدن الأوّل ، بأن يموت حيوان وينتقل نفسه إلى بدن حيوان آخر من بدن إنسانيّ ، وهو الذي يسمّونه نسخا ، أو بدن حيوان غير إنسانيّ من البهائم والسباع ونحوهما ، وهو الذي يسمّونه مسخا ، أو بنبات ، وهو الذي يسمّونه فسخا ، أو إلى جماد ، وهو الذي يسمّونه رسخا.
والمعنى الثاني الذي ذكره وجوّزه محصّله : أن يكون في هذه النشأة نفس في بدن