في إبطال التناسخ بالمعنى المتنازع فيه
فنقول : إنّهم أقاموا على إبطاله وجوها من الحجج
منها : ما نقلناه عن الشيخ في «الإشارات» من الحجّتين اللتين ذكر الشيخ أولاهما في «الشفاء» على ما نقلنا كلامه فيه. وبيان الأولى منها كما يدلّ عليه كلامه في الكتابين واضح ، وأمّا بيان الثانيّة منهما فقد اختلف فيه الشارحون للإشارات وذكروا فيه وجوها من التقرير.
منها ـ ما ذكره المحقّق الطوسيّ على ما نقلنا كلامه ، ولعلّنا نذكر فيما بعد تلك التقريرات الأخر أيضا. وكيفما كان ، فلا يخفى أنّ هاتين الحجّتين جميعا مبنيّتان على مقدّمة بإتمامها تتمّ الحجّتان ، وتلك المقدّمة هي التي أشار إليها الشيخ في «الإشارات» إشارة إجماليّة بقوله : «وإلّا لاقتضى كلّ مزاج نفسا تفيض إليه» (١).
وذكرها في «الشفاء» بوجه مفصّل وبيان أبسط ، بقوله : «فقد أوضحنا أنّ الأنفس إنّما حدثت وتكثّرت مع تهيّؤ من الأبدان على أنّ تهيّؤ الأبدان يوجب أن يفيض وجود النفس لها من العلل المفارقة ، وظهر من ذلك أنّ هذا لا يكون على سبيل الاتّفاق والبخت» إلى قوله : «فإذا فرضنا أنّ نفسا تناسخها أبدان» (٢).
فلذا قدّم بيان تلك المقدّمة على بيان المطلوب تمهيدا وإشعارا بأنّه لا تتمّ تلك الحجّة إلّا بإتمام تلك المقدّمة.
وحاصل تلك المقدّمة : أنّ حدوث النفس عن العلّة القديمة يتوقّف على حصول استعداد في القابل لها ، أعني البدن ، وعند حصول الاستعداد في القابل يجب حدوث النفس وفيضانها على ذلك القابل ، لما تقرّر عندهم أنّ وجود المعلول لازم عند تمام العلّة. وبعبارة أخرى أنّ العلّة الفاعليّة لفيضان النفس على البدن سواء فرضناها العلّة القديمة ـ كما دلّ عليه كلام الشيخ ـ أو المبدأ الفيّاض تعالى شأنه كما هو الحقّ ، تامّ الفاعليّة لا
__________________
(١) شرح الإشارات ٣ / ٣٥٦.
(٢) الشفاء ، الطبيعيات / ٣٥٦.