بالكمالات أو التألّم بالجهالات شغل ، هو وإن كان كذلك ، إلّا أنّه إنّما يكون في النفوس الكاملة أو المتوسّطة ، لا في النفوس الساذجة أو الناقصة التي كلامنا فيها ، والقائلون بالتناسخ إنّما قالوا به فيها.
وعلى تقدير تسليم كون ذلك الشغل فيها أيضا فنقول : إنّ النفس الإنسانيّة لمّا كانت بدنيّة يجب أن يكون شغلها بشيء في ضمن بدن ما ، حيث إنّ شغلها وإدراكاتها الجزئيّة لا يكون إلّا بآلات جسمانيّة ، فكيف تكون مجرّدة عن البدن رأسا في أفعالها بعد مفارقتها عنه؟ وكيف تكون تارة محتاجة إلى البدن في أفعالها ، وتارة مجرّدة عنه؟ وهل هذا إلّا تهافت؟
برهان آخر على بطلان التناسخ
وحيث عرفت ذلك ، فاعلم أنّه من جملة البراهين الواضحة على هذا المطلب ـ أي بطلان التناسخ ـ ما أشار إليه بعض الأفاضل ، ونحن نذكر تفصيله :
وهو أن يقال : لا شكّ في أنّ النفس المستنسخة التي الكلام في جواز تناسخها قد حصلت لها في ضمن البدن الأوّل فعليّة ما في كمالاتها ، فهي بعد تعلّقها بالبدن الثاني إمّا أن يبقى لها تلك الفعليّة في الجملة ، أو أن تزول عنها رأسا وتصير هي بالقوّة المحضة.
والأوّل خلاف الواقع وخلاف المشاهد المحسوس ، حيث إنّا نعلم يقينا أنّ النفس في أوّل كونها ليس لها تلك الفعليّة في كمالاتها أصلا ، بل إنّها في أوّل حدوثها درجتها درجة الطبيعة ثمّ تترقّى شيئا فشيئا بحسب استكمالات المادّة ، حتّى تتجاوز درجة النبات والحيوان ، وتحصل لها الدرجة الإنسانيّة.
وأيضا على هذا يلزم أن تكون هي تتذكّر شيئا من أحوال البدن الأوّل وأحوال ذاتها في ضمنه ، لأنّ محلّ العلم والتذكّر هو جوهر النفس الباقي بعينه كما كان ، وهذا أيضا خلاف الواقع والمشاهد.
والقول بأنّ التذكّر إنّما يلزم أن لو لم يكن التعلّق بذلك البدن الأوّل شرطا ،