المطلب الثالث
في بيان أحوال النفس الإنسانيّة بعد خراب بدنها
اعلم أنّ هذا المطلب مركّب من مطلبين :
أحدهما : بقاؤها بعد خراب بدنها ، وهذا قد مرّ مستقصى فيما سلف ، حيث أقمنا الدليل العقليّ والنقليّ عليه ، فتذكّر.
والثاني : كيفيّة حالها بعده ، وهذا أيضا وإن سبقت منّا إشارة ما إليه ثمّة في ضمن نقل الأخبار الواردة في بقائها بعده ، إلّا أنّا نزيدك هنا بيانا ، ونقدّم لذلك مقدّمة تتضمّن لذكر ما قالته الحكماء في معنى اللّذة والألم والسعادة والشقاوة ، وكذا لذكر ما قالوه في بيان كيفيّة حال النفس الإنسانيّة بعد مفارقتها عن البدن.
فنقول : قال الشيخ في «الشفاء» في فصل «في المعاد» : «وبالحريّ أن نحقّق هاهنا أحوال الأنفس الإنسانيّة إذا فارقت أبدانها ، وأنّها إلى أيّة حال ستصير؟ فنقول : يجب أن يعلم أنّ المعاد منه ما هو مقبول من الشرع ولا سبيل إلى إثباته إلّا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوّة ، وهو الآن (١) للبدن عند البعث ، وخيرات البدن وشروره معلومة لا تحتاج إلى أن تعلم ، وقد بسطت الشريعة الحقّة التي آتانا سيّدنا ونبيّنا ومولانا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم حال السعادة والشقاوة التي بحسب البدن.
ومنه ما هو مدرك بالعقل والقياس البرهانيّ ، وقد صدّقته النبوّة ، وهو السعادة والشقاوة الثابتتان بالقياس اللتان للأنفس ، وإن كانت الأوهام منّا تقصر عن تصوّرهما
__________________
(١) في المصدر : خبر النبيّ وهو الذي.