النبيّ عليهالسلام وهو المعاد للبدن ، أي إعادة هذا البدن العنصريّ عند البعث وإعادة الروح إليه مرّة أخرى ، وحيث كان هذا القسم من المعاد لا استقلال للعقل في إثباته ، وكانت خيرات البدن وشروره اللتان كان الغرض من إثبات هذا القسم من المعاد إثباتهما معلومة لا تحتاج إلى أن تعلم بالقياس البرهانيّ ، وكان مع ذلك قد بسطت الشريعة الحقّة التي أتانا سيّدنا ونبيّنا ومولانا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم حال السعادة والشقاوة اللّتين بحسب البدن وحال تلك الخيرات والشرور البدنيّة ، فلذا لم نتعرّض لإثبات هذا القسم من المعاد.
وقسم هو مدرك بالعقل والقياس البرهانيّ ، وللعقل سبيل إلى إثباته ، وقد صدقته النبوّة ، أي إخبار النبيّ عليهالسلام أيضا ، وهو المعاد الروحانيّ ، والسعادة والشقاوة الثابتتان بالقياس البرهانيّ اللّتان هما حاصلتان للأنفس بحسب ذواتها وحقائقها. وإن كانت الأوهام منّا تقصر عن تصوّرهما وإدراكهما الآن ، أي حين كوننا متعلّقين بالبدن العنصريّ الدنيويّ ، منغمسين فيه كما سنوضّح في الأصول الآتية من العلل على عدم تصوّر ذلك ، والحكماء الإلهيّون رغبتهم في إصابة هذه السعادة أعظم من رغبتهم في إصابة السعادة البدنيّة ، بل كأنّهم لا يلتفتون إلى تلك السعادة البدنيّة لخسّتها بالنسبة إلى السعادة الروحانيّة العقليّة ، ولا يتوجّهون إليها وإن أعطوها ، ولا يستعظمونها في جنب هذه السعادة العقليّة التي هي مقارنة الحقّ الأوّل تعالى شأنه على ما سنصفه عن قريب. وحيث كان الحال كذلك ، فلا بدّ من إثبات هذا القسم من المعاد بالقياس البرهانيّ فلنعرف أوّلا حال هذه السعادة والشقاوة المضادّة لها ، أي العقليّتين ، ثمّ نتعرّض لإثباتهما للأنفس ، فإنّ السعادة والشقاوة البدنيّتين مفروغ عنهما في الشرع الشريف ، فلا علينا أنّ نتكلّم فيها ، وهذا بيان مراده.
كلام مع كثير من الحكماء
وأقول : وفيه نظر قد أومأنا إليه في صدر الرسالة ، وهو أنّه إن كان المراد أنّ المعاد الجسمانيّ ممّا لا يستقلّ في إثباته العقل أصلا ، فهو ليس كذلك ، لأنّا سنقيم فيما بعد