بل لأجل إهمالهم له ، مع كونه ممّا نطق به الشرع وضروريّا في الدين كما بيّناه في صدر الرسالة.
وقد عرفت أيضا ثمّة أن في مفهوم لفظ «المعاد» الذي قالوا به دلالة على ثبوت الجسمانيّ ، فتذكر.
وأيضا أنّا سلّمنا أنّ السعادة العقليّة أعظم من البدنيّة ـ كما يظهر ذلك ممّا سيذكره الشيخ ـ إلّا أنّ تلك الأعظميّة لا تكون منشأ لإهمال البدنيّة مطلقا ، كيف وأكثر ما نطق به الشرع فيه دلالة على البدنيّة خاصّة ، وما نطق به في العقليّة هو أقلّ قليل منه كما يظهر على من تتّبع الآيات والأخبار. والقول بأنّ الخطاب فيما يدلّ على البدنيّة ، إنّما هو للعامّة خاصّة دون الخاصّة من العقلاء خلاف الظاهر جدّا. كما أنّ القول بأنّ السعادة البدنيّة حيث كانت خسيسة جدّا وليست لذّة في الحقيقة ، بل إنّما هي رفع آلام ، فلذا ينبغي أن لا يلتفت إليها ، بل ينبغي أن يلتفت إلى ما هو لذّة حقيقة وهي اللذّة العقليّة لا يكاد يصحّ ، لأنّ كون البدنيّة رفع آلام إنّما يسلّم في اللذّات الحسّيّة الدنيويّة ، ولا يسلّم في اللذّات الحسّيّة الأخرويّة ، وقياس الأخرويّة على الدنيويّة غير معقول.
في حال السعادة والشقاوة العقليّين
فهذه جملة من النظر الذي يرد على كلام الشيخ هنا فيما قال هو به ، وفيما حكاه عن الحكماء الإلهيّين ، فتبصّر.
ثمّ أنّه تعرّض لتعرّف حال السعادة والشقاوة العقليّتين ، وقرّر أوّلا لذلك أصولا خمسة.
والذي ذكره في الأصل الأوّل من تلك الأصول بقوله : «يجب أن يعلم أنّ لكلّ قوّة نفسانيّة لذّة وخيرا ... الخ» فيه تنبيه على أنّ لكلّ قوّة نفسانيّة لذّة وخيرا يخصّها ، وأذى وشرّا وألما يخصّها ، وإنّما أورد في المثال اللذّات والآلام التي للقوّة الحيوانيّة تنبيها على ظهورها ، حيث أنّه لا ينكر أحد وجودها ، حتّى إنّه قصر بعض الأوهام العامّيّة اللذّات