تنبيه : وكذلك قد يحضر السبب المؤلم ويكون القوة الدرّاكة ساقطة ، كما في قرب الموت من المرضى ، أو معوّقة كما في الخدر فلا يتألّم ، فإذا انبعثت القوّة أو زال العائق عظم الألم» (١). انتهى.
وهذا الذي ذكرناه إنّما هو الكلام في بيان الأصول الخمسة التي أصّلها.
في بيان اللذّة العقليّة للنفس وأنّها أعلى من الحسّيّة وكذلك الألم
ثمّ أنّ الشيخ بعد ما قرّر تلك الأصول قال : «فإذا تقرّرت هذه الأصول ، فيجب أن ننصرف إلى الغرض الذي نؤمّه ، فنقول : إنّ النفس الناطقة كما لها الخاصّ بها أن تصير عالما عقليّا إلى آخر ما ذكره» ومقصوده من ذلك أنّه حيث تقرّرت هذه الأصول وتقرّر أنّ مراتب اللذّة متفاوتة بعضها أعلى من بعض ، وأنّ في الوجود لذّة عقليّة هي أعلى من اللذّة الحسّيّة ، فيجب أن نبيّن أنّ اللذّة العقليّة للنفس الناطقة الإنسانيّة ما ذا؟ وأنّها بأيّة جهة وأيّ سبب أعلى من الحسّيّة؟ حتّى يعلم منه بالمقايسة وجود ألم عقليّ لها أيضا وأنّه أشدّ من الحسّيّ.
بيان الأوّل أنّ معنى اللذّة هو الشعور بحصول الكمال الذي هو بالقياس إلى المدرك كمال بالفعل ، فشعور النفس الإنسانيّة أيضا بحصول الكمال الخاصّ لها يكون لذّة لها ، وكمالها الخاصّ بها من حيث هي ذات مجردة أن تصير عالما عقليّا مرتسما فيها صور الكمال والنظام المعقول في الكلّ والخير الفائض في الكلّ مبتديا مبدئا من الكلّ وسالكا إلى الجواهر الشريفة الروحانيّة المطلقة ، ثمّ الروحانيّة المتعلّقة نوعا من التعلّق بالأبدان ، ثمّ الأجسام المعلمة بهيئاتها وقواها ، ثمّ كذلك حتّى تستوفي في نفسها هيئة الوجود كلّه ، فتنقلب عالما معقولا موازيا للعالم الموجود كلّه ، فتصير مع كونه عالما صغيرا منطويا فيها العالم الأكبر ، مشاهدا لما هو الحسن المطلق والخير المطلق والكمال الحقّ ، ومتّحدا به ومنتقلة بمثاله وهيئته ومنخرطة في سلكه وصائرة من جوهره.
__________________
(١) شرح الإشارات ٣ / ٣٤٣ ، وفيه : فلا يتألّم به ، فإذا انتعشت بالقوّة ...