على اللذّة الحسّيّة. بل الأنفس العامّيّة الغير الكريمة أيضا تكون لها تلك الحالة ، فإنّها أيضا قد تترك الشهوات المعترضة لها التي هي لذّات حسّيّة وتؤثر الغرامات والآلام الفادحة بسبب افتضاح أو خجل أو تغير ، التي كلّها آلام عقليّة.
وبالجملة ، فالأحوال العقليّة تؤثّر على أضدادها الجسمانيّة ويصبر لها على المكروهات الطبيعيّة ، فيعلم من ذلك أنّ الغايات العقليّة أكرم على الأنفس في محقّرات الأشياء ، فكيف في الأشياء النبيهة العالية ، إلّا أنّ الأنفس الخسيسة تحسّ بما يلحق المحقّرات من الخير والشرّ ، ولا تحسّ بما يلحق الأمور النبيهة ، لما قيل من المعاذير. وهذا شرح كلامه هنا.
وقد أشار في «الإشارات» إلى أنّه قد يوجد حظّ وافر من اللذّة الحقيقيّة العقليّة للنفس وهي في ضمن البدن.
قال : وليس هذا الالتذاذ مفقودا من كلّ وجه والنفس في البدن ، بل المنغمسون في تأمّل الجبروت ، المعروضون عن الشواغل يصيبون وهم في الأبدان من هذا اللذّة حظّا وافرا قد يتمكّن منهم فيشغلهم عن كلّ شيء».
ثمّ قال : «والنفوس السليمة التي هي على الفطرة ولم يفظّظها مباشرة الأمور الأرضيّة الخاصّة ، إذا سمعت ذكرا روحانيّا يشير إلى أحوال المفارقات غشيها غاش شائق لا تعرف سببه ، وأصابها وجد مبرّح مع لذّة مفرجة (مفرّحة خ) يفضي بها ذلك إلى حيرة ودهش ، وذلك للمناسبة وقد جرّب هذا تجريبا شديدا». (١) انتهى كلامه.
في بيان السعادة والشقاوة العقليّين من جهة القوّة
النظرية للنفس بعد مفارقتها عن البدن
وقوله : «وأمّا إذا انفصلنا عن البدن ، وكانت النفس منّا تنبّهت في البدن لكمالها الذي هو معشوقها ولم تحصّله ... إلى آخر ما ذكره».
__________________
(١) شرح الإشارات ٣ / ٣٥٤.