المصدّق به مؤمنا.
وكيفما كان ، فبعد حصول أصل ذلك الكمال على ما حدّه الشيخ أو حدّدناه ، إذا ازداد الناظر استبصارا فيه ازداد للسعادة استعدادا ، كما أنّه كلّما ازداد عمى (١) عن ذلك الكمال ، ازداد بعدا من السعادة وقربا من الشقاوة ، وكأنّه ليس يتبرّأ الإنسان عن هذا العالم الأدنى الحسّيّ وعلائقه حتّى يحصل له تلك السعادة ، إلّا أن يكون شديد العلاقة مع ذلك العالم الأعلى العقليّ ، كما فيما بعد مفارقة النفس عن البدن ، وكذا في ضمن البدن لبعض النفوس الكاملة ، فصار له بسبب تلك الشدّة من العلاقة شوق إلى ما هناك ، أي في العالم العقليّ ، وعشق لما هناك ، فصدّه ذلك عن الالتفات إلى ما خلفه ، أي ممّا في العالم الحسّيّ جملة ، فحصلت له السعادة حينئذ. رزقنا الله تعالى إيّاه وسائر المؤمنين ، إنّه جواد كريم.
حال السعادة والشقاوة العقليّتين من جهة القوّة العمليّة
وقوله «ونقول أيضا : إنّ هذه السعادة الحقيقيّة لا تتمّ إلّا بإصلاح الجزء العمليّ من النفس ، ونقدّم لذلك مقدّمة كأنّا قد ذكرناها فيما سلف.
فنقول : إنّ الخلق ملكة تصدر بها عن النفس أفعال بسهولة ما الخ».
لمّا بيّن سابقا حال السعادة والشقاوة العقليّتين بحسب القوّة النظريّة للنفس ، أي حال السعادة بحسب الهيئة العمليّة ، وحال الشقاوة بحسب الجهالات ، أراد أن يبيّن هنا حالها بحسب القوّة العمليّة لها ، أي حال السعادة بحسب الملكات والأخلاق الحسنة ، وحال الشقاوة بحسب الملكات الرديّة ، فذكر أوّلا : أنّ هذه السعادة الحقيقيّة لا تتمّ إلّا بإصلاح الجزء العمليّ من النفس ، يعني أنّ السعادة العقليّة كما أنّها تكون بإصلاح الجزء العلميّ من النفس ، وبكمال قوّتها النظريّة ، أي حصول العلوم الواقعيّة الحقيقيّة لها ، وأنّ الشقاوة العقليّة بخلافها كما ذكر ، كذلك تكون السعادة العقليّة بإصلاح الجزء العمليّ منها وبكمال قوّتها العمليّة ، وحصول الأخلاق الحسنة لها أيضا ، والشقاوة العقلية بخلافها. وأنّه
__________________
(١) «عميا» خ ل.