الشعور بأصل تلك الملكة التوسطيّة التي هي كمال عمليّ لها ، والآخرة من جهة إعانتها للشعور بكمالها العلميّ ، فيتضاعف لذّتها وسعادتها ، وإن كانت تختلف بحسب اختلاف مراتب تلك الملكة في الكيف والكمّ.
في بيان خلود السعادة من جهة صلاح الجزء العمليّ
وأمّا بيان خلود تلك السعادة ودوامها فلأنّ ملكة التوسّط أيضا ، وإن كانت هيئة عارضة للنفس منطبعة فيها بسبب تكرّر الأفعال البدنيّة التي تزول ، ومقتضى ذلك أن تزول تلك الهيئة المسبّبة عنها أيضا بزوال مبدئها وسببها ، إلّا أنّ تلك الهيئة لمّا كانت هيئة مناسبة بجوهر النفس ومن مقتضى حقيقتها ، وكانت هيئة غير غريبة عنها ؛ لم يكن فيها استعداد ما لزوالها عنها أصلا ، بل كان فيها استعداد تامّ لاستثباتها فيها وبقائها ، فتكون باقية خالدة بفيضان الوجود عليها من المبدأ الفيّاض.
وبالجملة فمبدؤها ، وإن كان زائلا إلّا أنّ القابل لها ـ وهو النفس الإنسانيّة ـ ليس فيه استعداد لزوالها عنه ، بل استعداده إنّما هو لاستثباتها فيه ، وحيث كان مستعدّا لبقائها فيه ، تكون باقية بإفاضة الوجود عليها من المبدأ الفيّاض ، بعد أن كان حدوثها من تكرّر الأفعال البدنيّة ، ومن إفاضة الوجود عليها من المبدأ الفيّاض أيضا ، وحيث كانت تلك الملكة خالدة كانت السعادة بحسبها أيضا خالدة ، وخلود هذه السعادة كما هو مقتضى الدليل العقليّ ، كذلك هو مطابق لما نطق به الشرع ، فتبصّر.
ثمّ إنّه بقي هنا شكّ ، وهو : أنّه لقائل أن يقول : ما الفرق بين الهيئة الرديّة الحاصلة من جهة فساد الجزء العمليّ من النفس وقوّتها العمليّة وبين تلك الهيئة الرديّة الحاصلة من جهة فساد الجزء العلميّ وقوتها النظريّة؟ حيث حكمتم بزوال الأولى عن النفس شيئا فشيئا وبانقطاع الشقاوة التي من أجلها ، كما دلّ عليه كلام الشيخ هنا صريحا ، وحكمتم ببقاء الثانيّة فيها وعدم زوالها عنها وعدم انقطاع الشقاوة التي من أجلها ، كما أشعر به كلام الشيخ ثمّة ، وأشرتم إلى وجهه هنالك مع كون الهيئتين سواء في كونهما هيئتين غريبتين