التنبيه الثاني
يعتبر في الحمل أمران ، الاتحاد بين الموضوع والمحمول من جهة والتغاير من جهة أخرى ، فلا يصح الحمل بين متحدين من جميع الجهات ، أو المختلفين من جميع الجهات ، فلا يقال زيد عمر مثلا.
ثم انه تارة : يكون الاتحاد بينهما ذاتيا والتغاير بما هو خارج عن مقام الذات ، كما في حمل حيوان ناطق على الإنسان ، فانّ مفهوم الإنسان متحد ذاتا مع مفهوم حيوان ناطق ، والاختلاف بينهما اعتباري بالإجمال والتفصيل.
وليس المراد من الاعتبار مجرد الفرض كما هو ظاهر ، وهكذا في حمل أحد المترادفين على الآخر كقولك الإنسان بشر أو العكس ، فانّ مفهومهما متحد ذاتا واختلافهما بالاعتبار ، إذ الإنسان مشتق من الأنس فيطلق على هذه الطبيعة في مقابل غيره من أصناف الحيوان التي ليس لها هذه المنزلة ، ويطلق البشر عليها في مقابل الملك ، ويعبر عن هذا الحمل بالحمل الأولي.
وأخرى : يكون الاختلاف بينهما ذاتيا والاتحاد بما هو خارج عن مقام الذات ، كما في حمل المشتقات على مصاديقها ، فانّ مفهوم زيد مغاير ذاتا مع مفهوم ضارب مثلا واتحادهما انما هو في الوجود الّذي هو خارج عن مقام الذات ، ويعبر عنه بالحمل الشائع ، لكونه هو المتعارف بين الناس في المحاورات ، وبالصناعي لاستعماله في العلوم ، فانّ الحمل في الشكل الأول يكون من هذا القبيل ، كما انّ حمل الفصل على الجنس ، أو الجنس على الفصل ، أو كل منهما على النوع وبالعكس يكون من هذا القبيل كقولك : الإنسان ناطق ، أو حيوان ، أو الحيوان ناطق ، وبالعكس.