أصلا ، وذلك لأنّ الإرادة اسم للصفة أو الفعل النفسانيّ ـ على خلاف في ذلك يبيّن إن شاء الله ـ قائم بالنفس ولا يعبر عن ذلك بالطلب أصلا ، بل الطلب اسم للتصدي نحو المحبوب ، ولذا لا يقال طالب الدنيا لمن يحبها ، ولا طالب الضالة لمن لم يتصد نحو ضالته ، ولا طالب العلم لمن يحبه ، وإلّا لأطلق ذلك على جميع العقلاء ، إذ لم نر أحدا لا يحب العلم أو لا يحب الدنيا.
نعم بعد ما تصدى الإنسان نحو محبوبه ومراده يقال : طلب العلم ، أو الدنيا أو الضالة ، ويطلق عليه الطالب والتصدي نحو المراد لو كان من الأمور الاختيارية التي هي تحت قدرة المحب والمريد بان كان المشتاق إليه فعل فتصديه نحوه يكون بعمله الخارجي.
وأمّا لو لم يكن ما اشتاقه فعل نفسه بل كان فعل غيره وخارجا عن اختياره ، أو كان تحت اختياره أيضا ، كما في الشارع ، ولكن المشتاق إليه لم يكن صدور الفعل كيف ما اتفق ، بل كان المصلحة في صدوره عن اختيار العبد ، فالتصدي نحوه حينئذ يكون بأمره بذلك بقول افعل وأمثال ذلك.
وعليه فقول افعل ونحوه يكون حقيقة مصداقا للطلب ، لأنه غاية ما يمكنه المولى في مقام تصديه نحو مراده ، وبهذا ظهر فساد ما في الكفاية (١) من انّ مفهوم الطلب ينشأ باللفظ ، فانّ المفهوم غير قابل للإنشاء ، بل الإنشاء بنفسه مصداق للطلب كما عرفت.
فالصحيح : انّ الطلب والإرادة مفهومان متباينان ، وان أراد الأشعري من تغايرهما ذلك فهو المتين جدا ، بل الظاهر انّ الطلب لا يطلق على مطلق التصدي نحو المراد ولو كان تحقق المطلوب وترتبه على المقدمات مسلما يقينيا ، مثلا لو
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٩٥.