تصدى الإنسان نحو طبخ الطعام بإيجاد مقدماته لا يقال طلب الطبخ ، وهكذا فيما إذا كان عدم ترتب المطلوب على المقدمات يقينيا وانما يطلق الطلب على التصدي نحو شيء يحتمل حصوله ويحتمل عدم حصوله ، هذا كله في مغايرة الطلب والإرادة.
النقطة الثانية : وهي التكلم في مدلول الجمل الخبرية والجمل الإنشائية ، فالمشهور ذهبوا إلى انّ الهيئة في الجمل الخبرية دالة على النسبة النّفس الأمرية الأعم من الخارجية والذهنية وغير ذلك ، إثباتا أو نفيا ، وفي الجمل الإنشائية موضوعة لإيجاد المعنى باللفظ أي إيجاد المفهوم في ذهن السامع.
ونقول : ذكرنا انّ الوضع ليس إلّا التعهد والالتزام ، فلا بدّ وان يتعلق بأمر مقدور للواضع أي ما يكون فعل نفسه ، وليس ذلك إلّا قصد تفهيم المعنى عند إطلاق اللفظ ، أو ذكر اللفظ عند قصد تفهيم المعنى الخاصّ ، وعليه فهيئة الجمل الاسمية موضوعة لقصد الحكاية فمهما يلفظ بها اللافظ تنتقل بالانتقال التصديقي إلى انه قصد الحكاية بمقتضى تعهد الواضع ، واستعمالها بدونه يكون على خلاف التعهد ، ولا فرق في ذلك بين صورة الصدق والكذب.
وأمّا هيئة الجمل الإنشائية فلا معنى لكونها موضوعة لإيجاد المعنى باللفظ ، إذ لو أريد من الإيجاد الإيجاد الخارجي ، فهو لا بد وان يكون مستندا إلى علله الخارجية ، وليس اللفظ منها ، وان أريد به الإيجاد الذهني الاعتباري ، فهو أمر قائم باعتبار المعتبر وأجنبي عن مقام اللفظ ، فلا بدّ وان تكون موضوعة لقصد إبراز الأمر الاعتباري كما بيّناه.
وإلى هنا نجد الهيئة في الجمل الخبرية والإنشائية في كونها موضوعة للقصد ومبرزة عنه ، ولكن يفرق بينهما في انّ متعلق القصد في الأولى يكون له تعلق إلى الخارج دون الثانية ، ولذا يجري في الأولى احتمال الصدق والكذب دون الثانية حيث ليس لها تعلق بأمر خارج.