وأما قولهم يجوز ان يدخل الله نبيّه في الجحيم ويخلد عدوّه في الجنّة فهو أيضا كالمثال المتقدم مما لا يجوّزه العقل والعقلاء ولو كان تصرفا في ملكه وسلطانه.
هذا مضافا إلى انه عليه يكون بعث الرسل وإنزال الكتب لغوا ، إذ لا مانع من ان يدخل جميع المؤمنين في النار ، ويسكن جميع الكفار في الجنان ، فلا يبقى لهذا دافع إلّا القول بأنّ الوعد والوعيد ينفي ذلك ، فانه لا يخلف الميعاد.
والجواب عنه واضح على مشربهم ، إذ خلف الوعد بل الكذب الّذي ليس إلّا ظلما في الكلام لا يكون قبيحا ، واما توهم انّ عادة الله جارية على ذلك.
ففيه : انه متى عاشرنا مع الله تعالى وكم مدّة كنّا معه حتى علمنا عادته في الأمور الدنيويّة؟ ومن رجع من الآخرة وأخبر عن عادته تعالى فيها؟ فهذه الكلمات مما تضحك الثكلى.
ثم انهم استدلوا على مطلبهم بوجهين.
أحدهما : عقلي.
ثانيهما : استظهار من ظواهر الكتاب كقوله تعالى : و (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)(١) ، وافعال العباد شيء فهو خالقها ، وغير ذلك مما دلّ على نفي الشرك.
وفيه : أولا : انّ المسألة عقلية لا يمكن الرجوع فيها إلى الظهورات.
وثانيا : يخالف هذه الظهورات ظهورات أخر على خلافها مما أسند الفعل فيها إلى العبد كقوله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها)(٢) ، وقوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ)(٣) ، وقوله عزّ شأنه : (فَتَبارَكَ اللهُ
__________________
(١) الفرقان ـ ٢.
(٢) الإسراء ـ ٧.
(٣) المائدة ـ ١١٠.