ملائما للطبع ، ونعم ما عبّروا عن إعمال القدرة بالاختيار أي طلب الخير والملائم للطبع ، فلو كان هناك مرجح موجب لم يكن مجال للاختيار أصلا ، ولا ملزم للالتزام بوجوب المرجح الملزم غير الملاءمة للطبع أصلا.
وما قيل : من استحالة الترجيح بلا مرجح فليس معناه إلّا توقف كل فعل على فاعل كما يشير إليه قوله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ)(١) ، ولذا نرى بالوجدان انا إذا وصلنا في سيرنا إلى طريقين في أحدهما سبع يفترس من ذهب إليه ، وفي الآخر رجل يقيم بشئون المسافرين ، فمن جهة ملائمة الثاني لطبعنا وحبنا لحياتنا نسير فيه ، ولكن مع ذلك لنا القدرة في الذهاب من الطريق الآخر وتكون قدرتنا بالنسبة إلى السير من الطريق الثاني كالقدرة على أن نسير في الطريق الأول ، وهذا ظاهر واضح.
وبالجملة نرى بالوجدان انا نفرّق بين حركة نبضنا مثلا ، وتحريك إصبعنا بالاختيار ، والأول يتحقق ولو لم نكن ملتفتين إليه وشاعرين به بخلاف الثاني ، فانه لا بدّ في تحققه أولا : من الالتفات إليه ، ولذا ربما يموت الإنسان جوعا أو عطشا مع وجود الطعام والشراب عنده لعدم التفاته إليهما ، وثانيا : إلى ملائمته لإحدى القوى وإلى عدم مزاحمته بما ينافي النّفس من الجهات الأخر ، فيشتاقه ويميل إليه ثم بعد ذلك بيني على فعله أو على تركه بسبب ملائمة ذلك لإحدى قواه ، ولا يبعد ان يكون هذا هو المراد من الإرادة أو المشيئة أو الاختيار ، فيقال : أردت ففعلت ، وفي الفارسية يقال : (خواستم پس كردم) وربما يكون البناء متعلقا بأمر حالي كما قد يتعلق بأمر استقبالي فيقال أريد زيارة الحسين عليهالسلام يوم عرفة ، أي انا بان على ذلك ومتهيّئ له في نفسي ، وربما يعبر عنه بعقد القلب.
__________________
(١) الطور ـ ٣٥.