ثم انّ المراد من الإرادة المستندة إلى غير ذوي الشعور ، كما في قوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ)(١) ، هو أيضا البناء والتهيؤ غايته انّ التهيؤ هناك يكون طبعيا ، فانّ كل ثقيل يميل إلى الأرض طبعا لو لم يكن له مانع ، وفي الفعل الاختياري البناء اختياري ، وهذا هو المراد من القصد والجزم والعزم ونحو ذلك من العبارات والإحاطة بجميع مزايا لغات هذه الكلمات غير ميسور لنا ، وما ذكرناه هو الّذي نراه في أنفسنا ، ثم بعد ذلك تعمل النّفس قدرتها في إيجاد الفعل خارجا ، ويكون المرجّح لذلك مجرّد ملائمة ما اختارته مع بعض قواها ، وليس في نفسنا وراء ذلك شيء أصلا ، وكأنّ توهم الأشعري ناشئ من مغالطة واضحة وهي الخلط بين مرجّح الوجود ومرجّح الإيجاد ، فمرجّح الوجود لا بدّ وان يكون موجبا ويستحيل صدور الفعل من غير فاعل ، وهذا بخلاف مرجّح الإيجاد فانّ أدنى مرجّح يكفي في ترجيح الفاعل الفعل على الترك أو العكس وهو الملاءمة للطبع ، ولذا لو سئل الفاعل عن سبب فعله يقول فعلته لكونه موافقا لميلي وشهوتي ، فلا نعني بالفعل الاختياري الا الفعل المسبوق بالعلم أو القدرة وليس في مقدماته سوى الالتفات وإدراك ملائمته للطبع والبناء ، ثم إعمال القدرة وهو الفعل أو الترك.
واما معنى لفظ الإرادة والاختيار لغة ، فالإرادة مشتقة من الرود ومنه الرائد ، أي طالب الماء والكلاء ، وهي على ما في اللغة تستعمل تارة : بمعنى المشيئة وهي بمعنى إعمال القدرة ، وأخرى : في التهيؤ للفعل ، ولذا ربما تسند الإرادة إلى الجدار كما في قوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ)(٢) أي كان مشرفا على ذلك ، ولم نر من ذكر من معانيه الشوق الأكيد المحرّك للعضلات.
__________________
(١) الكهف ـ ٧٧.
(٢) الكهف ـ ٧٧.