الإرادة الأزلية انما تعلّقت بصدور الفعل أو بعدمه عن الفاعل بالاختيار.
ونقول : هذا الجواب ليس إلّا جوابا عن الشبهة في مقام اللفظ والاصطلاح ، ولا يرفع الإشكال واقعا ، فانّ تعلق الإرادة الأزلية بصدور الفعل عن اختيار العبد لازمه ضرورية الصدور والاختيار ، نعم حيث انّ الفعل حينئذ يكون مسبوقا بالإرادة يكون اختياريا اصطلاحا.
والصحيح في الجواب انّ الإرادة بمعنى البناء والمشيئة وما شئت فعبر انما تتعلق بفعل نفس الإنسان فإذا التفت امّا ان يريد فعل شيء أو تركه. واما الفعل الاختياري للغير فلا معنى لتعلق إرادة الإنسان به أصلا ، وعليه فما يصدر من العبد اضطرارا من غير اختياره كحركة النبض مثلا لا مانع من تعلق الإرادة الأزلية به وجودا أو عدما ، وامّا الفعل الصادر عن اختياره فلا تتعلق الإرادة الأزلية به أصلا من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، إذ لم يكن مجال لتعلقها به ، وما ورد من قبيل قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(١) فالمراد منه ظاهر بعد ما بيّناه ، فانّ معنى مشيئته بالنسبة إلى الأفعال الاختيارية للعبد انما هو الإقدار آناً فانا ، والإفاضة دائما كالسلك الكهربائي بحيث لو انفصل أقل من آن ينطفئ الضوء ويخمد النور ، وهذا معنى كلمة (لا حول ولا قوّة إلّا بالله) ، فتحصل بحمد الله اندفاع شبهات الأشاعرة بحذافيرها.
وأما الفلاسفة فذهبوا إلى انّ الأفعال الاختيارية معلولة للإرادة تترتب عليها كترتب الصفرة على الوحل ، لا فرق بينهما إلّا في انّ الأول مسبوق بالإرادة ولذا يسمى بالاختياري دون الثاني ، زعما منهم انّ كل فعل لا بد له من علّة تامة موجبة ، لأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وهذا هو الوجه الّذي يستلزم الجبر والقول
__________________
(١) الإنسان ـ ٣٠.