ثم بما ذكرناه ظهر الخلل في كثير من عبارات الكفاية في المقام ، ونحن نتعرّض إلى موردين منها :
أحدهما : ما ذكره من انقسام الإرادة إلى التكوينيّة والتشريعيّة ، فان الإرادة على ما عرفت بمعنى البناء القلبي ، ولا يعقل تعلّقه بفعل الغير. نعم ربما يتعلّق الشوق بذلك ، وأما العزم والمشيئة والبناء فلا ، وعليه فالفاعل دائما تكون إرادته تكوينيّة ، غايته تارة : تتعلّق بالفعل الخارجي التكويني ، وأخرى بالجعل وتشريع الحكم ، فالفرق في المتعلّق.
ثانيهما : ما ذكره (١) من انّ اختيار السعادة والشقاوة بالآخرة ينتهي إلى الذاتي ولا يسأل عنه ، فانّ الاختيار فعل النّفس ولا معنى لكونه ذاتيا ولذا يتخلف ويتبدل ، فربما يكون الإنسان في أول عمره يختار المعاصي وفي أواخر عمره يختار الطاعات وربما ينعكس الأمر ، فالتخلف أقوى دليل على عدم كونه ذاتيا.
ثم انّ بعض أعاظم تلامذته وجّه كلامه ببيان مقدّمة ، وحاصل ما ذكره : انّ الأعراض تارة : تكون لازمة أما من عوارض الماهية ، وأما من عوارض الوجود ، وأخرى : تكون مفارقة اتفاقيّة كالبياض بالقياس إلى الجسم ، فما كان من قبيل الأول لا يحتاج إلى جعل مستقل ، بل لا معنى لجعله مستقلا ، بل ينجعل بجعل ملزومه.
وأما القسم الثاني فجعله يكون بجعل مستقل ، ثم طبق هذه المقدّمة على المقام ، وذكر انّ العلم بالنسبة إلى الإنسان يكون من العوارض المفارقة ، ولذا لا يكون الإنسان عالما ، ثم يعلم.
وأما الاختيار فهو من لوازمه ، فانّ الإنسان الملتفت الشاعر من أول وجوده
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٠١.