ذكرناه من الأمر بين الأمرين ، وانّ إفاضة القدرة دائما يكون من المولى ، وهكذا جميع مبادئ الفعل من الإدراك والحب والاشتياق والقدرة يكون منه تعالى ، وانّ البناء والاختيار يكون من العبد ، ولذا أسند الفعل في قول «بحول الله أقوم» إلى نفس العبد ، والحول والقوة إلى الله تعالى ، وأما قوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(١) ، فقد ذكر بعض المفسّرين انّ الاستثناء يكون من المنهي عنه ، وانّ المعنى هو النهي عن قول اني فاعل ذلك غدا بتا ، وعدم النهي عنه إذا انضم إليه قول إلّا انّ يشاء الله ، ولكنه محتاج إلى التقدير وهو خلاف الظاهر ، بل الظاهر ان يكون المراد هو النهي عن مجموع تلك الجملة بان يكون الاستثناء أيضا مقول القول ، فقول إلّا ان يشاء الله يكون هو المنهي عنه ، وذلك لأن ظاهره التفويض.
وبعبارة أخرى ، تارة : يخبر الإنسان عن فعل عمل بتا من دون تعليق ، وربما يكون ذلك مع الالتفات إلى لوازمه مستلزما للكفر. وأخرى : ربما يخبر معلقا على حول الله وقوّته ومشيئته ، وهذا هو المحبوب. وثالثة : يخبر ويجعل إرادة الخلاف من الله تعالى مانعا عن ذلك بان يقول : «افعل ذلك غدا إلّا ان يشاء الله خلافه ويمنع عنه» وكثير ما يستعمل ذلك في محاورات أعضاء الدولة ، مثلا يقول الوزير «اخرج غدا ان لم يمنعني السلطان» ، ومعنى ذلك هو الاستقلال في العمل والاستغناء عن السلطان والاخبار بأنه أقدر منه فان شاء منعه ، وهذا تفويض محض ، وهو المنهي عنه في الآية المباركة ، فتأمل.
الثاني : انه لا ينافي ما ذكرناه من الأمر بين الأمرين ما ورد في بعض الآيات والأخبار من إسناد فعل العبد إلى الله تعالى أو تعليقه على مشيئته كما في قوله
__________________
(١) الكهف ـ ٢٣.