ذاك المعنى مصداقا حقيقيّا لمعنى آخر ، مثلا إذا استعملت هيئة «زيد قائم» ، فمدلولها الوضعي ليس إلّا انّ المستعمل قصد الاخبار ولا ينافي ذلك ان تكون مصداقا واقعيا للحكاية والأخبار ، فكون الدلالة بالجعل والاعتبار لا يستلزم ان يكون مصداقية الكلام للمعنى ، الآخر اعتباريا.
وفي ما نحن فيه بعد ما وضعت صيغة افعل لإبراز الاعتبار فدلالتها على ذلك تكون جعليّة ولكنّها تكون طلبا حقيقة وبعثا وتحريكا واقعا لا اعتبارا.
إذا عرفت ذلك ، فأمر الموضوع له في صيغة افعل يدور بين الاعتبار والشوق النفسانيّ ، والثاني ممنوع ، لأنّ الصيغة تستعمل في الوجوب ، فتأمل ، وهو امر اعتباري يجري فيه الاستصحاب وليس امرا واقعيّا كالشوق ، هذا مضافا إلى انها تستعمل في الوجوب الظاهري وليس هناك شوق ، وكذلك في الواجبات المشروطة التي ليس في موردها شوق فعلا بل ولا إلى الأبد ، كما لو أمر المكلّف بتقسيم ماله بعد موته ، فيتعيّن الثاني ، وعليه فاستعمالها في التهديد والتسخير والتعجيز وأمثالها يكون مجازا.
ويؤيّد ذلك عدم جواز استعمالها في معناها الحقيقي واحد هذه الأمور بان يقال : «صم شهر رمضان ويوم العيد» مثلا.
ثم انه لا بدّ وان نتكلّم في ما هو الفارق بين الوجوب والندب ليعلم انّ الصيغة هل تكون موضوعة للأول أو للثاني أو لهما معا أو للجامع بينهما أو كلا منهما يكون خارجا عن معناها؟ ويترتّب على ذلك ثمر مهمّ كما هو واضح.
فنقول : ذكر القدماء انّ الوجوب مركّب من الطلب مع المنع من الترك ، والندب مركّب من الطلب مع الترخيص في الترك ، وقد أوردوا عليه بأنّ الوجوب والندب أمران بسيطان وليس فيهما تركيب ، ومن ثم فرّق في الكفاية بينهما بالشدّة والضعف ، فذكر انّ الطلب الشديد هو الوجوب ، والطلب الضعيف هو الندب.