وفيه : أولا : انّ الطلب كما عرفت عبارة عن التصدّي نحو المقصود ، وليس في ذلك شدّة ولا ضعف.
وثانيا : انّ الطلب يكون منتزعا عن الصيغة فكيف يمكن أن تكون مستعملة فيه؟! نعم الشوق يتصوّر فيه الشدّة والضعف ، إذ ربما يشتاق الإنسان شيئا بحيث يتحمّل المشاق في تحصيله ، وربما يشتاقه بمرتبة ضعيفة بحيث لو توقّف تحصيله على أدنى مشقّة لا يطلبه ، إلّا انّ الشوق لا يمكن ان يكون مدلولا للصيغة لما عرفت.
وذكر المحقق النائيني قدسسره انّ الفرق بين الوجوب والندب انما يكون من حيث الملاك والمصلحة الملزمة والغير الملزمة (١).
وفيه : انّ هذا الفرق وان كان ثابتا إلّا انّ الوجوب والندب ثابت على رأي الأشعري المنكر لتبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد أيضا ، ويجري في التكاليف العرفيّة الناشئة من غير مصلحة أيضا.
وبالجملة لا ريب في انّ الأحكام من الأمور المجعولة التي هي تحت اختيار جاعلها كغيرها من الأفعال الاختيارية ، وليست من قبيل الصفات النفسانيّة الخارجة عن الاختيار كالشوق ، وعليه فلا يمكن ان يفرّق بين الوجوب والندب بكون الأول شوقا شديدا والثاني شوقا ضعيفا ، فان الوجوب أو الندب من الأحكام ، وهي غير الشوق.
وكذلك لا يصحّ الفرق بينهما بالذهاب إلى ان الوجوب هو الطلب القوي ، والندب هو الطلب الضعيف ، وذلك :
أولا : فلأنّ الطلب انما هو بمعنى التصدّي ، ولا معنى فيه للشدّة والضعف.
وثانيا : انّ الطلب متأخر عن الوجوب وعن استعمال الصيغة فكيف يعقل
__________________
(١) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ٩٥.