المقام الثالث
في دلالة الأمر على التعبّدية والتوصّلية
وقد فرّق في الكفاية (١) بينهما بأنّ التعبّدي ما لا يحصل الغرض منه إلّا بإضافته إلى المولى بخلاف التوصّلي ، وكلامه غير خال عن المسامحة ، فانّ في موارد الأمر غرضان : أحدهما في طول الآخر ، فالآمر الملتفت العاقل إذا رأى المصلحة في فعل عبيده لا محالة يشتاقها ، فتكون هي الغرض الأولي ، وحيث انه مترتّب على فعل العبد الصادر باختياره فينقدح له غرض آخر وهو إيجاد الداعي ولو إمكانا في نفس العبد وبعثه وتحريكه ، وهذا هو الغرض الثاني ، وهو مترتّب على نفس الإيجاب وفعل المولى.
وفي هذا الغرض لا يفرّق بين التوصّليات والتعبّديات ، وانما اختلافهما يكون في الغرض المترتّب على فعل العبد وهو المصلحة ، ففي التعبّدي لا يترتّب ذلك إلّا إذا أضيف العمل إلى المولى وجيء به خضوعا وعبوديّة كالإمساك مثلا ، وفي الثاني يترتّب على مجرّد تحقق الفعل في الخارج كإعطاء الماء للعطشان ، أو الخبز للجائع ليشبع.
وقد فسّر التعبّدي بمعنى آخر وهو : انّ التعبدي ما اعتبر فيه الشارع أمورا ثلاثة ، المباشرة والاختيار وإيجاد العمل في ضمن الفرد المباح ، وفي قباله التوصّلي
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٠٧.