الشك انما هو في حدوث تكليف جديد بعد زوال العذر ، إذ التكليف الثابت بنحو الطلاق قد امتثل وسقط بذلك ، ودليل تقيّده بالقيد الفاقد انما كان يقيده به في حال التمكّن دون حال الاضطرار ، فلا يكون وافيا لإثبات التكليف بعد زوال العذر ، وعليه فبعد الاضطرار يكون الشك في حدوث تكليف آخر ، والأصل هو البراءة عنه.
ونمثل لذلك مثالا عرفيا ، وهو ما إذا امر المولى عبيده بان يأتوه في يوم الجمعة ، ثم أمرهم بان يلبس كل منهم العمامة حال مجيئه إلّا من لم يكن متمكّنا من ذلك فانه يأتي بلا عمامة ، فإذا فرضنا انّ بعضهم لم يكن متمكّنا فأتاه بلا عمامة ، ثم زال عذره وتمكن ، فهل يمكن توهم وجوب الإتيان عليه ثانيا بنفس ذاك الأمر الأول؟! والمقام من هذا القبيل.
ثم لا يخفى انه لا ينتقض ما ذكرنا بما إذا عجّز المكلف نفسه اختيارا فأتى بما هو وظيفة العاجز ثم زال عذره ولم يقل أحد فيه بالاجزاء ، وذلك لأنّ أدلة الاضطرار كقوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا)(١) لا يعم إلّا العاجز بطبعه دون من عجّز نفسه اختيارا ، فأدلة الاضطرار غير شامل لمثل ذلك.
وفي العرف لو امر المولى عبده بضيافة أحد فقال له ان كنت متمكّنا فأطعمه طبيخا وإلّا فتمّنا ، فإذا كان العبد قادرا على الأول وكان عنده ما يلزم طبخ التمن ولكن أتلفه اختيارا ، فأطعم الضيف الخبز لا يكون عرفا ممتثلا.
هذا كلّه في أجزاء الأمر الاضطراري عن الواقع.
المقام الثاني : في اجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي.
كما إذا فرضنا انّ الأمارة قامت على عدم وجوب السورة في الصلاة فأتى بها
__________________
(١) النساء ـ ٤٣.