وبالجملة فلا معنى لكون المناسبة بين اللفظ والمعنى ذاتية أصلا. هذا كله في الدلالة.
في حقيقة الوضع :
وأما الوضع فيظهر مما ذكره في الكفاية (١) بقوله : «الوضع نحو اختصاص بين اللفظ والمعنى ناشئ ... إلخ» ، ان الوضع عنده أمر واقعي ينشأ من وضع الواضع تارة ومن كثرة الاستعمال أخرى ، وهذا غير صحيح ، وذلك لأن الأمور الحقيقية لا تخلو عن أمور ثلاثة :
أحدها : أن تكون من الأمور النّفس الأمرية ، بمعنى يدرك العقل تحققه من دون فرض فارض واعتبار معتبر ، ويكون الخارج ظرف نفسه لا ظرف وجوده ، كنفس الوجود ولوازم الماهيات ، كالزوجية للأربعة والإمكان للماهيات الممكنة والاستحالة لاجتماع النقيضين وأمثال ذلك ، فان الوجود ثابت في الخارج لكن بنفسه لا بوجود آخر وهكذا بقية المذكورات.
ثانيها : أن تكون من قبيل الجواهر أي الوجودات المستقلة في الخارج.
ثالثها : أن تكون من قبيل الاعراض.
والارتباط الناشئ من الوضع أو من كثرة الاستعمال غير داخل في شيء من ذلك ، أما عدم كونه من قبيل الأول ، فلأنه لو كان من قبيل الملازمة الثابتة بين الأربعة والزوجية فلا معنى لكونه ناشئا من الوضع أو كثرة الاستعمال ، لأن الملازمة بين لوازم الماهية ونفسها تكون قديمة أزلية ، فأي حاجة إلى الوضع؟ هذا أولا.
وثانيا : يلزم من ذلك أن يكون كل أحد عالم بكل لغة كما عرفت.
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلّد الأول ـ ص ١٠.