والموضوع له متحدان ، فليست كيفية الوضع فيه ككيفيّة الوضع هناك ، مضافا إلى انه على هذا لا بدّ وان يكون إطلاق الموضوع عليه على المعنى صحيحا من دون عناية مع انه غلط واضح ، فالاعتبارية بكلا معنيها غير تام.
والصحيح : ان الوضع أمر واقعي محض غايته من قبل الأفعال النفسانيّة ، فهو فعل النّفس ، وهو التعهّد والالتزام بذكر اللفظ عند إرادة تفهيم المعنى ، كما يتّفق هذا المعنى في الأفعال أيضا ، نظير ما لو تعهّد المولى وقال لخادمه : بأني متى رفعت العمامة من رأسي فانا أريد الشاي ، ففي الألفاظ أيضا كذلك لأجل تسهيل الإفادة والاستفادة يلتزم الواضع ويتعهد بذكر اللفظ الخارجي عند إرادة المعنى المخصوص ، وهذا هو حقيقة الوضع.
وأما ما أفاده المحقق النائيني قدسسره من ان الوضع وسط بين التكوين والجعل ، فبيانه : ان الأمور تكون على نحوين منها ما لا تحقق بها إلّا بالجعل والاعتبار كالاحكام والشرائع ، وهي التي تحتاج إلى بعث رسل وإنزال كتب ، ومنها ما لا تحتاج إلى ذلك أصلا كالجواهر والأعراض الموجودة في الخارج ، ومنها ما لا يكون من الأول لتحتاج إلى إرسال رسل ولا من الثاني ليكون تكوينيا محضا ، بل يكون وسطا بينهما ، والوضع من هذا القبيل ، فلما اقتضت الحكمة الإلهية أن يعلّم الإنسان البيان وقد أشير إليه في الآية المباركة (عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(١) فألهم جلّ شأنه واضع كل لغة ان يوضع كل لفظ خاص لمعنى مخصوص بمناسبة بينهما ذاتية تكوينيّة مجهولة عندنا ، وهذا هو السر فيما يقال من ان الواضع هو الله تعالى ، فحقيقة الوضع ليست تكوينيّة محضة لأن لا يحتاج إلى شيء ، ولا جعلية صرفة لتكون محتاجة إلى البعث
__________________
(١) الرحمن ـ ٤.