ملحوظة ظرفا لا استقلالا كما ان الرفع يؤتى به ليكون علامة على الابتداء ، أو على الفاعلية إلى غير ذلك ، ففي الحقيقة ليس للحروف معنى أصلا.
وفيه : انا نرى بالوجدان ان دلالة الحروف على تلك الخصوصيّات ليست دلالة طبعية ولا دلالة عقلية وإلّا لما اختصت بأهل اللسان ، ولعرفها الجاهل باللغة أيضا ، وقد نرى ان الجاهل باللغة لا يميّز ما أريد من كلمة «من» عما أريد من كلمة «إلى» في قولك «سرت من البصرة إلى الكوفة» كما ان الأمر في الإعراب والتقديم والتأخر أيضا كذلك ، فالجاهل باللغة لا يعرف من تقديم موسى على عيسى في قولك «ضرب موسى عيسى» ان الأول فاعل والمتأخّر مفعول ، فلا بدّ وان يكون للحروف وللحركات وللتقدم والتأخر معنى ووضعا كما في الأسماء.
ويقابل هذا القول ويكون على طرف نقيضه ما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ (١) من اتحاد المعاني الاسميّة مع المعاني الحرفيّة ، وان اختلافهما يكون في ناحية الاستعمال وناشئا من اشتراط الواضع ، فانه وضع الأسماء كلفظ الابتداء ليستعمل في الابتداء الملحوظ استقلالا ، ووضع لفظ «من» ليستعمل في الابتداء الملحوظ آليا ، فالفرق بينهما يكون من ناحية الاستعمال واشتراط الواضع ، وإلّا فكل من الآلية والاستقلالية يكون خارجا عن حريم المعنى الموضوع له.
هذا ويرد عليه :
أولا : انه لو كان المعنى الحرفي متّحدا مع المعنى الاسمي وكان الموضوع له في الأسماء والحروف معنى واحد للزم صحّة استعمال الحرف في موضع الاسم وبالعكس ، لأن شرط الواضع ليس لازم الاتباع حتى على نفسه ، إذ لم يكن في ضمن عقد لازم ، وليس له ولاية على غيره ليجب اتباعه.
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٣.