بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين.
إنّ من أبرز خصائص التشريع الإسلامي الخالد هي خصيصة السعة والشمول والمرونة وامتداد آفاقه ، فما من صغيرة ولا كبيرة في حياة الفرد والدولة والمجتمع إلّا وتناولها التشريع الإسلامي فنظمها ، وحدّد الموقف منها. غير أن أحكام الشريعة ليست بمستوى واحد من الوضوح والصراحة في مصادرها وأدلتها ، مما تطلّب عملية الاجتهاد والاستنباط ، وقد مرت هذه الممارسة العلمية كغيرها من الأعمال العلمية بمراحل تطور ، وتفاعل فكري متواصل ، وكان لا بد لأي عمل علمي كالاجتهاد في الشريعة من ضوابط ومنهج علمي ينظم عمليات الاجتهاد والاستنباط ، فوضع المسلمون علم أصول الفقه بشكله المبرمج المنظّر. وكان أول من وضع أسس هذا العلم هما الإمامان الباقر وولده الصادق عليهماالسلام وقد جمع ما ورد عنهما في هذا المجال وبوّب وفق مباحث علم الأصول في كتب مثل : (أصول آل الرسول) و (الأصول الأصليّة) وغيرهما. وأول من دوّن في هذا العلم من علماء الشيعة الإمامية تدوينا متكاملا ومنظرا هو الشيخ المفيد ـ أعلى الله مقامه ـ المتوفى (٤١٣ ه) وقد سبقه بعض من كتب في هذا العلم من أصحاب الأئمة عليهمالسلام كهشام بن الحكم الّذي كتب في مباحث الألفاظ ، ويونس بن عبد الرحمن الّذي كتب كتاب (اختلاف الحديث) وكان محمد بن إدريس الشافعي المتوفى (٢٠٤ ه) أول من صنف في هذا العلم من علماء المدرسة السنيّة ، مع التسليم بأن عمليات الاستنباط في مراحلها الأولى كانت تجري بعفويتها وفق أسس أصوليّة.