يخلو الحال من ان يراد وجوده في اعتبار المتكلم ، أو يراد وجوده في اعتبار الشرع أو العقلاء.
أما الأول : فلا شبهة في انه متقوم باعتبار المعتبر وتوجه نفسه ، سواء كان هناك لفظ أو لم يكن.
وأما الثاني : فاللفظ وان كان موضوعا لاعتبار الشارع والعقلاء ونسبة الموضوع إلى حكمه تكون كنسبة العلة إلى معلوله فتحقق اللفظ يكون علّة لثبوت الاعتبار النوعيّ أو العقلائي بمعنى انطباقه على المورد لا أصل ثبوته وإنشائه ، ولكن الموضوع لاعتبار الشارع والعقلاء ليس هو اللفظ المجرد ، وانما هو اللفظ الّذي يكون مستعملا في المعنى ، فما هو ذلك المعنى؟! فيكون القول بان الإنشاء إيجاد اللفظ بالمعنى لقلقة لسان كما ذكرناه.
والصحيح ان يقال : ان الإنشاء انما هو إبراز الاعتبار النفسانيّ ، فان حقيقة الإيجاب ليس إلّا اعتبار الأبدية وثبوت متعلق طلبه على رقبة المكلف ، كاعتبار الدين في ذمة المديون والعمل على رقبة الأجير ، ولذا ربما يتعدى ذلك بلفظ «على» كما في قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(١).
وينتزع من هذا الاعتبار عنوان الإلزام من جهة كونه لازما على رقبة المكلف ، وينتزع منه الوجوب بمعنى الثبوت لثبوته في ذمته ، والتكليف من جهة إيقاعه المكلف في الكلفة إلى غير ذلك ، ولفظ افعل يكون بحسب تعهد الواضع مبرزا لهذا الاعتبار ، فكما ان الهيئة في الجمل الخبرية تكون مبرزة لقصد الحكاية ، فليس فيها من حيث دلالتها احتمال الصدق والكذب ، كذلك الهيئة في الجمل الإنشائية مبرزة لنفس الاعتبار ، فليس فيها احتمال الصدق والكذب أصلا ، وليس معناها
__________________
(١) البقرة ـ ١٨٣.