وأما ما في الفصول (١) من الإش كال على عدم كون الألفاظ مستعملة في هذه الأمور بأنه مستلزم لتركّب القضية من جزءين ، فالجواب عنه واضح ، فانه لم يرد هناك آية ولا رواية على لزوم تركب القضية اللفظية من أجزاء ثلاثة ، بل المشاهد خلافه في كثير من الموارد.
هذا ، ثم انه إذا أطلق اللفظ فله دلالات ثلاثة :
الأولى : دلالته على معناه ، وانتقال السامع العالم بالوضع منه إلى المعنى الموضوع له ، وتسمى بالدلالة التصورية ، وهي غير متوقّفة على ان يكون اللافظ شاعرا وملتفتا أصلا ، بل يتحقق ولو صدر اللفظ من احتكاك حجر بحجر.
الثانية : الدلالة التصديقية ، ولها مرتبتان :
إحداهما : تصديق السامع بان المعنى كان مرادا للّافظ وقصد تفهيمه ، ومن ثم تسمى بالتصديقية.
ثانيهما : ان المعنى المستعمل فيه اللفظ كان مراده الجدي ، بان لم يكن في مقام الهزل ونحوه ، إذ ربما لا يكون ما استعمل فيه اللفظ مرادا جديّا للافظ ، بل يكون مرادا استعماليّا فقط ، أو يكون المراد الجدي أمرا آخر كما في الكتابة ونحوها ، ومما يكون المراد الجدي مباينا مع المراد الاستعمالي ففي قولك : «زيد كثير الرماد» فانه لم يرد منه معناه الحقيقي ، وان لزيد مزبلة يجمع فيه الرماد ، بل المراد الجدي لازمه المباين له وهو الجود ، كما ربما يكون بين المعنيين العموم المطلق كما في العمومات المخصّصة بمنفصل وستعرف إن شاء الله تعالى ان ذكر تلك العمومات انما يكون لضرب القانون ، والمراد الجدي منها هو الخاصّ من أول الأمر.
وكيف كان ذهب المشهور من المتأخرين إلى ان الدلالة الوضعيّة منحصرة
__________________
(١) الفصول ـ ص ٢٢.