الاستعمال حقيقيّا ولا مجازيا كما في استعمال اللفظ في شخصه ، والظاهر ان ثبوت الوضع بالاستعمال أيضا لا يتم لا لما ذكره المحقق من استلزامه الجمع بين اللحاظين ، فان اللفظ في مقام الاستعمال يلاحظ طريقا وفانيا في معناه ، وفي مقام الوضع لا بد من أن يلحظ استقلالا ، فان هذا قابل للدفع ، إذ لا مانع من تحققها كما لو فرضنا ان المتكلم يريد بتكلمه بلفظ الماء مثلا ان يفهم السامع انه عارف باللغة العربية ويريد الماء أيضا فيقول لعبده «جئني بالماء» ، بل لأن الوضع بأي معنى كان إما يكون اعتبارا أو التزاما ، وهو فعل نفساني مستحيل ان يكون معلولا للاستعمال ، نعم يمكن ان يضع الشارع اللفظ للمعنى ويجعل مبرزه الاستعمال بدل التصريح ، وهذا لا بأس به ولا يبعد دعواه في الألفاظ المخترعة.
وأما ثبوت الحقيقة الشرعية بالوضع التعيّني فهو مما يطمئنّ به ، إذ لا شبهة في كثرة استعمال هذه الألفاظ المتداولة في الألسنة مثل الصلاة والصوم والحج في لسان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه في المعاني المستحدثة ، بل لا يبعد ان يقال : ان استعمالها في ذلك الزمان كان أكثر بمراتب من استعمالها في هذه الأزمنة.
وما قيل : من ان كثرة استعمالها في لسان خصوص النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم غير معلوم لا وجه له ، إذ لا يعتبر في ثبوت الحقيقة الشرعية بالوضع التعيّني كثرة الاستعمال في لسان شخص النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بل يكفي إذا تحقّق ذلك في لسانه ولسان تابعيه من حيث المجموع.
ولا وجه أيضا لما في الكفاية (١) من ان ثبوت الحقيقة الشرعية يتوقف على كون هذه المعاني مستحدثة في هذه الشريعة ، وعدم ثبوتها في الشرائع السابقة ، وظاهر الآيات ثبوتها فيها كقوله عزّ شأنه :
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٣٢.