ذهب الميرزا قدسسره إلى الثاني بدعوى : انّ غاية ما يستفاد من دليل سقوط التكليف في هذه الموارد كحديث الرفع انما هو سقوط التكليف أعني به الحرمة في محل البحث ، واما المفسدة الواقعية فهي باقية على حالها حتى عند طرو أحد هذه العناوين ، ولذا لو لم يكن الاضطرار إلى الغصب مثلا مستوعبا لتمام الوقت لا يجوز للمكلف ان يصلي في المكان المغصوب بل يجب عليه ان ينتظر زوال اضطراره ، وليس ذلك إلّا من جهة وجود المفسدة ، وعليه فلا يمكن التقرب بما فيه المفسدة ، انتهى.
وفيه : انّ ما أفاده قدسسره من بقاء المفسدة عند الاضطرار إلى ارتكاب الحرام وان كان تاما ، ولا يقاس بما تقدم منا من انّ الكاشف عن الملاك انما هو الأمر فإذا سقط فليس لنا كاشف عن ثبوت الملاك ، وذلك لأنّ ظاهر حديث الرفع الوارد في مقام الامتنان على الأمة على ما يستفاد من قوله عليهالسلام : «عن أمتي» [١] هو ثبوت المقتضى لتحقق الحرمة في هذه الموارد إلّا انها رفعت إرفاقا على هذه الأمة ، فالمفسدة باقية إلّا انّ مجرد وجود المفسدة لم يكن مقيدا لإطلاق دليل الوجوب خصوصا بعد كونها مغلوبة في مصلحة الإرفاق.
فحينئذ نسأل القائل ونقول : هل الحرمة ثابتة في هذه الموارد أو انها ساقطة؟ امّا بقائها فمناف للاخبار كقوله عليهالسلام «ما حرم الله شيئا إلّا وأحله عند الضرورة» فهي ساقطة واقعا ، فدليل الحرمة من أول الأمر يكون مقيدا بصورة عدم طرو أحد هذه العناوين ، وعند طروه فالحكم الواقعي هو الإباحة ، ففي الحقيقة هناك عنوانان نظير عنوان المسافر والحاضر ، والحكم الثابت لأحدهما هو الحرمة وللآخر هو الإباحة.
وقد ذكرنا في مبحث البراءة انّ نسبة الرفع بالإضافة إلى ما لا يعلمون تغاير
__________________
[١] الخصال ٢ ـ ٤١٧ والحديث هو : «رفع عن أمتي تسعة الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون ...»