فرض الانحصار ، فلا بدّ حينئذ من تقديم أحد الحكمين من حرمة ذي المقدمة ووجوبها.
ولكن الصحيح ان يقال : انّ الحرام انما هو انصباب الماء ووقوعه في المكان المغصوب الّذي هو لازم كل جسم ، والواجب انما هو الغسل أعني مماسة الماء للبشرة ، وليس ذلك مقدمة لانصباب الماء في ذاك المكان.
نعم صب الماء مقدمة لحصول كلا الأمرين ، فالمقام لا يدخل في مقدمة الحرام ليكون الوضوء فاسدا على القول بحرمتها ، بل يكون الحرام والواجب مشتركين في المقدمة ، نظير ما لو فرضنا انّ المكلف بضرب واحد قتل شخصين أحدهما واجب القتل والآخر محفوظ الدم ، ومن الواضح انه لا يلزم اتحاد المشتركين في المقدمة من حيث الحكم. فالمقام أجنبي عن باب الاجتماع حتى لو قلنا بحرمة مقدمة الحرام كما هو واضح.
وامّا التوضي في آنية الذهب والفضة بالاغتراف منها ولو تدريجا ، ففي غير صورة الانحصار يصح أيضا ، وذلك لأنّ عنوان استعمال آنية الذهب والفضة الّذي ورد النهي عنه في الاخبار ليس كعنوان النهي عن الأكل فيها الّذي هو أيضا منهي عنه ، فانّ عنوان الأكل يختلف عرفا باختلاف الأواني ، مثلا الأكل في القدر ليس بمعنى وضع القدر على الشفة والأكل منه ، بل استعماله في الأكل انما هو بالطبخ فيه ، وهكذا في المصفاة إلى غير ذلك ، وامّا الاستعمال فلا يختلف صدقه باختلاف الأواني ، بل معناه امر واحد ، وعليه فلو فرضنا انّ أحدا أخذ الماء من إناء من الذهب ، فأخذه منه استعمال له ، واما لو رشه بعد ذلك على الأرض أو سقاه إلى حيوان لا يكون الرش والسقي استعمالا لذلك الإناء عرفا ، وهذا واضح. ففي المقام الاغتراف من الإناء وان كان استعمالا له إلّا انّ غسل الوجه بذلك الماء الّذي هو الوضوء ليس استعمالا للإناء ليكون محرما ، فلا يكون من باب اجتماع الأمر والنهي