المفروض عجز المكلف عن امتثالهما ، والقدرة دخيلة في الملاك ، فحيث انّ القدرة واحدة فالملاك الفعلي أيضا واحد ، وعليه فجعل الوجوبين معا مضافا إلى استلزامه التكليف بما لا يطاق يكون بلا ملاك ، وهو قبيح وترجيح أحدهما المعين على الآخر بلا مرجح ، فالعقل يستكشف وجوب أحد الأمرين تخييرا ، فالتخيير شرعي وكاشفه العقل ، وهذا بخلاف التخيير في المتساويين من القسم الثالث ، أي ما إذا كانت القدرة معتبرة فيهما عقلا فانه يكون بحكم العقل بمعنى لزوم الإتيان بكل منهما مشروطا بترك الآخر على ما سيأتي بيانه ، ويمكن إرجاع التخيير في المقام إلى ذلك أيضا بوجه دقيق.
وأما إذا كان أحد الملاكين أهم من الآخر ، فذهب فيه المحقق النائيني إلى التخيير أيضا بدعوى : إنّ أهمية الملاك انما هي بعد فعليته ، وهو أوّل الكلام ، إذ لا يجب على المكلف إدخال نفسه في موضوع الملاك الأهم ، فله ان يصرف قدرته في المهم ، فيكون عاجزا عن الأهم.
ولكن التحقيق : انّ ما أفاده انما يتم في باب التعارض ، فانه إذا ورد دليلان متعارضان لا تكون أهمية أحد الحكمين على تقدير ثبوته من مرجحاته ، واما في باب التزاحم فأهمية أحد الملاكين توجب تقدمه لا محالة ، وذلك لأنّ الملاك الأهم وإن كان مشروطا بالقدرة إلّا انّ القدرة التكوينية على استيفائه موجودة على الفرض ، فلا يكون عاجزا عنه وجدانا. وأما العجز الشرعي بان يقدم المولى جانب المهم ويأمره بصرف قدرته فيه فهو ترجيح المرجوح على الراجح ، فلا بدّ من استيفاء الأهم ، وذلك يكون معجزا عن الملاك المهم لا محالة.
فتلخص مما ذكر انه لو كان أحد الواجبين المتزاحمين المشروطين بالقدرة شرعا متقدما زمانا على الآخر يتقدم السابق على اللاحق مطلقا ، وامّا إن كانا متقارنين زمانا فيتقدم الأهم ان كان أحدهما أهم من الآخر ، وإلّا فيحكم فيهما