مقام الإثبات للثبوت ، وذلك لأنّ الجزاء في مقام اللفظ والإثبات متفرع ومترتب على الشرط ، فالتبعية المذكورة يستكشف انّ مراد المتكلم واقعا هو أيضا التفريع والمعية.
وبالجملة فمن الوضع نستفيد اعتبار مجرد الملازمة بين الشرط والجزاء ، ومن تبعية مقام الإثبات للثبوت نستفيد اعتبار خصوص حصة منها ، فمن مجموع الأمرين نستظهر في الجمل الشرطية كون الشرط علّة للجزاء. وهل يكفي مجرد ذلك في تحقق تلك الدلالة الالتزامية المعبر عنها بالمفهوم أعني الانتفاء عند الانتفاء؟ الظاهر : لا ما لم يحرز انحصار العلّة بالشرط ، إذ لا يلزم ذلك لو كان له بدل ، مثلا لو قيل «ان شرب زيد السم فقد مات» لا يستفاد منه انه ان لم يشرب فلم يمت ، إذ لو لم يشرب أيضا يحتمل موته لعلّة أخرى من ذبح ونحوه ، فلا بدّ من بيان دلالتها على الانحصار وعدمها.
وبالجملة دلالة الجملة الشرطية على المفهوم مبتنية على مقدمات ثلاث :
الأولى : ان تكون الهيئة فيها موضوعة لتعليق أحد المتلازمين على الآخر ، وقد عرفت انها كذلك واستعمالها في المقارنات الاتفاقية امّا مجاز أو غلط ، ولذا التجئوا إلى التقدير والإضمار في قوله تعالى (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ)(١) أي فلا تحزن ، فأقيمت العلّة مقام المعلول ، وهكذا في قوله تعالى (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ)(٢) أو قوله تعالى : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)(٣) إلى غير ذلك.
والثانية : ان يكون الشرط علّة والجزاء معلولا دون العكس ، أو كونهما
__________________
(١) فاطر ـ ٤.
(٢) الزمر ـ ٧.
(٣) يوسف ـ ٧٧.