التمسك بالعامّ قبل الفحص
وقع الكلام في جواز التمسك بالعامّ قبل الفحص. وهذا النوع غير مختص بالعمومات ، بل يجري في مطلق التمسك بالظهورات عند احتمال وجود قرينة على إرادة خلاف الظاهر منها ، ولذا يتعرض له في مبحث حجية الظواهر أيضا وهو جار في بحث المطلق والمقيد ونظائره. وقد ذكروا انه كما لا يجوز التمسك بالأصول العملية قبل الفحص كذلك لا يجوز التمسك بالأصول اللفظية قبل ذلك.
وهل هناك فرق بين الفحص في الموردين أم لا؟ ذهب صاحب الكفاية (١) إلى الأول ، وانّ الفحص في المقام فحص عن المانع والمزاحم الأقوى فانّ العام حجة في العموم وانما يفحص عن الحجة الأقوى المزاحمة له ، وامّا الفحص في التمسك بالأصول العملية فانما هو عن المقتضى ، فانّ العقلية منها وهي قبح العقاب بلا بيان موضوعها متقوم بالفحص ، وقبله لا موضوع له أصلا ، واما الشرعية منها كحديث الرفع فموضوعه في نفسه وان كان مطلقا غير مقيد بالفحص ولكنه مقيد به بالإجماع ، أو بالأخبار كقوله في بعضها «هلّا تعلمت» فيكون الفحص في مطلق الأصول العملية فحصا عن المقتضي والموضوع بخلاف المقام.
وقد أورد على ذلك بعدم الفرق بين الموردين ، وحاصل ما قيل : انّ بناء العقلاء والسيرة الثابتة على العمل بأصالة العموم ونحوها ان لم يكن مقيدة بالفحص فيجب العمل بالعموم قبل الفحص أيضا ، لأنه حجة ببناء العقلاء ما لم تثبت حجة أقوى على خلافها. وان كانت مقيدة به ففي الحقيقة يكون الفحص عن الموضوع
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٣٥٤.