تنبيه : لا يخفى انّ التزاحم المبحوث عنه في المقام انما هو التزاحم في مرحلة الفعلية الناشئ من عجز المكلف عن الامتثال بعدم ثبوت كل من الحكمين في نفسه ، واما التزاحم في الملاك كما لو فرضنا ثبوت المصلحة والمفسدة في فعل واحد ، فيقع التزاحم في الملاكين لا محالة فهو خارج عن محل الكلام. وفي هذا الفرض ان أحرز الآمر أهمية أحد الملاكين من الآخر بمقدار ملزم ، فيحكم على طبقه إلزاما ، وإذا أحرز أهميته بمقدار غير ملزم فيحكم باستحباب العمل أو كراهته ، كما انه لو أحرز تساوي الملاكين يحكم بالإباحة لا محالة.
ثم انّ المحقق النائيني (١) قدسسره قسم التزاحم إلى أقسام ستة ، والمختار انقسامه إلى ثلاثة أقسام ، لرجوع بعض الأقسام الستة إلى الثلاثة وعدم كون بعضها من باب التزاحم ، فنتعرض لما ذكره المحقق المزبور ونشير إلى ما عندنا.
القسم الأول : ان يكون منشأ التزاحم عدم قدرة المكلف اتفاقا على الإتيان بالواجبين الطوليين ، كما لو عجز المكلف عن الإتيان بصلاة الظهر والعصر معا مع الطهارة المائية ، أو عن القيام فيهما معا اتفاقا مع تمكن غيره من ذلك وتمكنه أيضا في غيره من الموارد ، فهذا معنى العجز الاتفاقي.
القسم الثاني : ان يكون منشأ التزاحم عدم قدرة المكلف على الجمع بين الواجبين عرضا لتضادهما الاتفاقي ، كما في إنقاذ الغريقين عرضا ، فإنّه ربما يكون غيره قادرا على ذلك ، فالتضاد بينهما اتفاقي ، بخلاف التضاد بين البياض والسواد فإنه دائمي ، ولذا يستحيل اجتماعهما مطلقا.
وفيه : انّ التضاد من أوصاف الماهية ، فإنّ معناه استحالة اجتماع الماهيتين في الوجود ، فلا معنى للتضاد الاتفاقي.
__________________
(١) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ٢٨٤.
وراجع فوائد الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٣٢٠.