وقد استدلوا على استحالة النسخ بأنّ الحكم لو كان ذا مصلحة وملاك فلم يرفعه ، وان لم يكن فيه ملاك فلما ذا يضعه.
وهذا انما يتم لو أريد من النسخ رفع الحكم ثبوتا ، ولا دافع له حينئذ أصلا ، ولكن قد عرفت انّ المراد من النسخ انما هو رفع الحكم المستمر إثباتا فقط ، فلا يلزم منه محذور أصلا.
وامّا البداء في التكوينيات فقد خالفنا فيه العامة أيضا تبعا لليهود ، وشنعوا الشيعة بها حتى نسبوا إليهم ما لا ينبغي جهلا بمرادهم من البداء. وقد ورد عن أئمتنا عليهمالسلام في روايات مستفيضة انّ من لم يعتقد بالبداء لم يكمل إيمانه ، وفي بعضها ما بعث نبيا إلّا أخذ منه العهد والإقرار بالبداء ، فلا بد لنا من بيان امرين.
أحدهما : المراد من البداء الّذي نقول به.
ثانيهما : ما ورد من التخلف وعدم وقوع ما أخبر به بعض الأنبياء والأوصياء خارجا.
امّا الأمر الأول ، فلا ريب في قدرته تعالى على جميع الأشياء وانّ كل شيء تحت سلطانه عزّ شأنه ، وقد بينا في محله انّ علمه الذاتي وانكشاف افعال العباد لديه جل شأنه قبل وجودها وان لم نعرف حقيقته بعد علمنا بأنه ليس من قبيل الاعراض لا ينافي صدورها عنهم باختيارهم خلافا للمجبرة ، لأنّ العلم بالفعل ليس من مبادئ صدوره ، وانما يتعلق به على واقعه ، فلو فرضنا محالا عدم علمه بأفعالنا كيف كانت تصدر عنا بعد علمه أيضا كذلك لأنه متعلق بها على ما هي عليه واقعا ، نظير المرآة ونظير علمنا بصدور بعض الأفعال عن أنفسنا ، فليس للعلم أي دخل وتأثير في تحقق الفعل أصلا ، وكما لا يوجب علمه بافعال العباد سلب قدرتهم واختيارهم ، كذلك لا يوجب علمه بافعال نفسه سلب قدرته عنها كما قال عزّ شأنه «بل يداه مبسوطتان».