يعرف ذلك أحد حتى الملك نفسه. فالمشية الإلهية بمنزلة الإرادة الملكية ، والاخبار التعليقية نظير القوانين ، غاية الأمر في المقام مولانا جلّ شأنه عالم بعلمه المكنون بالمشية ، والملك غير عارف بإرادته قبل تحققها.
هذا كله في الأمر الأول.
وامّا الأمر الثاني ، وهو ما صدر عن بعض الأنبياء والأئمّة من الإخبارات التي لم تتحقق خارجا ، فنقول : انّ الاخبار بشيء تارة : يكون اخبارا حتميا منجزا فهو من القسم الثاني ، ولا بدّ وان يقع ، وإلّا يلزم تكذيب الأنبياء. وأخرى : يكون تعليقيا وقد صرح فيه بالتعليق على المشية صريحا فتكون تلك القرائن العامة كافية في كونه معلقا على المشية ، فلا يلزم من عدم تحقق المخبر به في الخارج محذور.
ثم لا يخفى انّ العامة الذين شنعوا على الشيعة بل استهزءوا بهم لالتزامهم بالبداء أيضا التزموا به ، والاخبار الواردة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من طرقهم في ذلك أكثر مما ورد من طرق الخاصة ، قد حكاها جماعة من الصحابة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كابن عباس وغيره منها : ما ورد في تفسير الآية الشريفة (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) ومنها : ما ورد في باب الأدعية إلى غير ذلك مما ذكر في كتبهم ، ولذا التزم جملة منهم بإمكان البداء في كل شيء ، واستثنى بعضهم من ذلك السعادة والشقاوة تمسكا بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «الشقي شقي في بطن أمه» وبما رووه عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم من انه رأى أحد الصحابة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وبيده اليمنى كتاب وبيده اليسرى كتاب ، فسئل عما في يمينه ، فقال : كتاب فيه أسامي أهل الجنة ، وعما في يساره ، فأجاب : بأنه كتاب فيه أسامي أهل النار. ولكن يخالف ذلك ما رووه عن عمر من انه كان يدعو ويقول : «اللهم ان كنت سعيدا فثبتني ، وان كنت شقيا فامحني واجعلني سعيدا» وقد رووا عن كعب الأحبار ، انه قال لو لا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وما يكون وهي قوله تعالى (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ).
فالبداء مما اتفق عليه الخاصة والعامة. وقد عرفت انه بالمعنى الّذي بيناه غير