الكلام في الترتب :
وكيف كان ذهب المحقق الثاني إلى إمكان الترتب ، وذهب شيخنا الأنصاري إلى امتناعه على ما يظهر منه في مسألة الإتمام في مورد القصر حيث ينقل عن كاشف الغطاء تصحيحه بالترتب ثم يورد عليه بعدم إمكانه.
وقد ذكر المحقق النائيني لإثبات إمكانه مقدمات (١) ونحن نتعرض لجملة منها وان كانت جميعها تامة إلّا انّ بعضها مما لا يبتني عليه إمكان الترتب ، وببيان تلك المقدمات وإيضاحها يثبت الترتب بوضوح من غير حاجة إلى إقامة دليل عليه ثبوتا أو إثباتا.
المقدمة الأولى : وهي بمنزلة تحرير محل النزاع وحاصلها : انّ الأمر بالأهم هل هو بنفسه معجز عن المهم أو امتثاله معجز عنه؟ وعلى الأول لا مجال للترتب أصلا ، وعلى الثاني لا وجه لإنكار الترتب ، إذ عليه في فرض عصيان الأهم وعدم الإتيان به يكون المكلف قادرا على فعل المهم ، فلا مانع من الأمر به ، وهذه هي النكتة الوحيدة للترتب إثباتا ونفيا.
وبعبارة أخرى : من الواضح انّ المكلف ليس له قدرتان يستعمل إحداهما في الإتيان بالأهم والأخرى في الإتيان بالمهم ، وانما له قدرة واحدة فهل تستلزم وحدة القدرة وحدة الأمر أو لا يوجب ذلك إلّا تقييد الإطلاقين أو إطلاق الخطاب بالمهم لو كان أحدهما أهم؟ ومن هنا ذكرنا انّ الترتب لا معنى له في موارد دخل القدرة في ملاك الحكم ، كما لو دار الأمر بين صرف الماء في حفظ النّفس المحترمة وصرفه في الطهارة المائية المشروطة بالقدرة شرعا التي ليس لها ملاك في ظرف عجز المكلف ، ولذا لا تصح لو عصى التكليف بحفظ النّفس المحترمة وتوضأ بذلك
__________________
(١) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ٢٨٧ ـ ٢٩٨.