بيان ذلك : انّ مقتضى إطلاق كل من دليلي الواجبين المتزاحمين ثبوت الأمر به سواء أتى بالآخر أو لم يأت به ، والتنافي انما ينشأ من هذين الإطلاقين ، فالعقل عند التساوي ، يقيد كل منهما بعدم الإتيان بالآخر ، وإذا كان أحدهما أهم فإطلاق غيره مقيد قطعا ، واما تقييد إطلاقه فمشكوك فيه ، فيؤخذ به ، وأما رفع اليد عن أصل الخطاب فلا وجه له.
الثالث : انّ الترتب انما يتصور فيما إذا كانت القدرة في كلا الخطابين معتبرة بحكم العقل ، وامّا إذا كانت القدرة مأخوذة في أحدهما أو كليهما شرعا فلا مجال للترتب أصلا ، وذلك لأنّ الترتب معناه اشتراط الخطاب بعصيان الآخر ، وهو انما يعقل فيما إذا لم يكن مجرد الأمر معدما لموضوعه.
وبالجملة تارة يكون نفس أحد الأمرين معدما لموضوع الآخر ، وأخرى يكون امتثاله معدما لموضوعه ، والترتب يتصور في الثاني ، إذ عند تحقق العصيان فيه يقدر المكلف على الإتيان بالثاني.
واما لو كان نفس الأمر معدما لموضوعه فبمجرد تحقق الأمر انعدم موضوع ذلك سواء عصى المكلف أو امتثل ، ولا دخل للعصيان وعدمه في ذلك ليؤمر به على فرض العصيان ، وموارد أخذ القدرة في الحكم شرعا دائما من هذا القبيل ، كالأمر بالطهارة المائية للواجد بمعنى القادر المعبر عنه باللغة الفارسية (توانائى) ، فإذا فرضنا أمر المولى المكلف بصرف مائه في حفظ النّفس المحترمة ، فمجرد ذلك يوجب خروجه عن عنوان الواجد ، لأنه غير متمكن من استعمال الماء شرعا ، فلو عصى وتوضأ لا يمكن تصحيحه بالترتب كما نسب ذلك إلى العروة وان لم نعثر عليه فيه ، ولا بالملاك عند القائلين به ، لأنّ ظاهر أخذ القدرة في الخطاب عرفا هو دخلها في الملاك بحيث لا يكون له ملاك عند العجز أصلا.
نعم فيما كان امتثال الخطاب معدما لموضوع الخطاب الآخر لا نفسه يصح